الإشارة : خشوع القلب لذكر الله هو ذهوله وغيبته عند سطوع أنوار المذكور، فيغيب الذاكر في المذكور، وهو الفناء، والخشوع لسماع ما نزل من الحق : أن يسمعه من الحق، لا من الخلق، وهو أقصى درجات المقربين. ثم نهى تعالى الخواص أن يتشبّهوا بأهل العلوم الرسمية اللسانية ؛ لأنه طال بهم الأمل، وتنافسوا في الرئاسة، وتهالكوا في الحظوظ العاجلة، حتى قست قلوبهم، وخرجوا عن الإرادة بالكلية، قال القشيري : وقسوة القلب إنما تحصل من اتباع الشهوة ؛ فإن الشهوة والصفوة لا يجتمعان، وموجِبُ القسوة : انحرافُ القلب عن مراقبة الربِّ، ويقال : موجب القسوة أوله خطرة، فإنْ لم تتدارَكْ صارت فكرة، وإن لم تتدارَكْ صارت عزيمة، فإن لم تتدارَكْ صارت مخالفة، فإن لم تتلافَ صارت قسوةً، وبعد ذلك طبع ودين. هـ. وحينئذ لا ينفع الوعظ والتذكير، كما قال :
٣١٩
إذا قسا القلبُ لم تنفعه موعظةٌ
كالأرض إن سبختْ لم ينفع المطرُ
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١٧
اعلموا أن الله يُحيي أرض القلوب بالعلم والمعرفة، بعد موتها بالغفلة والجهل، قد بيَّنَّا الآيات لمَن يتدبّر ويعقل.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١٧
قلت :﴿المصدقين﴾ مَن قرأ بالتشديد فيهما فاسم فاعل، من : تصدّق، أدغمت التاء في الصاد، ومَن قرأ بتخفيف الصاد فاسم فاعل صدّق. و ﴿أقرضوا﴾ : عطف على الصلة، أي : إن الذين تصدّقوا وأقرضوا.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿إِنَّ المصدِّقين والمصدِّقات﴾ أي : المتصدقين بأموالهم والمتصدقات أو : المصدقين بالله ورسوله والمصدقات، ﴿وأقرضوا اللّهَ قرضاً حسناً﴾ وهو أن تتصدّق من كسبٍ طيبٍ، بقلب طيب، ﴿يُضاعف لهم﴾ بأضعاف كثيرة إلى سبعمائة، ﴿ولهم أجرٌ كريمٌ﴾ الجنة وما فيها.


الصفحة التالية
Icon