وحاصل مضمن الآية : أرسلنا الرسلَ وأنزلنا الكتابَ، فمَن تبع طوعاً نجا، ومَن أعرض فقد أنزلنا الحديد يُحارب به حتى يستقيم كرهاً. ﴿فيه بأس شديد﴾ أي : قوة وشدة يتمنّع بها ويحارب، ﴿ومنافعُ للناس﴾ يستعملونه في أدواتهم، فلا تجد صنعة تستغني عن الحديد، ﴿وليعلم اللّهُ﴾ علم ظهور ﴿مَن ينصُرُه ورسُلَه﴾ باستعمال السيوف والرماح وسائر السلاح في مجاهدة أعداء الدين، ﴿بالغيبِ﴾ غائباً عنهم في مقام الإيمان بالغيب، ﴿إِنَّ الله قويٌّ عزيزٌ﴾ فيدفع بقوته مَن يُعرض عن ملته، وينصر بعزته مَن ينصر دينه، فيقوى جأشه على الثبوت في مداحض الحرب.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٢٧
قال النسفي : والمناسبة بين هذه الأشياء الثلاثة : أنّ الكتاب قانون الشريعة، ودستور الأحكام الدينية، يُبين سبيل المراشد والعهود، ويتضمن جوامع الأحكام والحدود، ويأمر بالعدل والإحسان، وينهى عن البغي والطغيان، والاجتناب عن الظلم إنما يقع بآلة بها يقع التعامل، ويحصل بها التساوي والتعادل، وهي الميزان. ومن المعلوم : أنَّ الكتاب الجامع للأوامر الإلهية، والآلة الموضوعة للتعامل بالتسوية، إنما يُحافظ العوامّ على اتباعها
٣٢٨
بالسيف، الذي هو حجة الله على مَن جحد وعَنَد، ونزع من صفقة الجماعة اليد، وهو الحديد، الذي وصف بالبأس الشديد. هـ.
﴿ولقد أرسلنا نوحاً وإِبراهيم﴾ خُصّا بالذكر لأنهما أبوان للأنبياء عليهم السلام ﴿وجعلنا في ذريتهما﴾ أولادهما ﴿النبوةَ﴾ الوحي ﴿والكتابَ﴾ جنس الكتاب. وعن ابن عباس :" الخطّ بالقلم ". يقال : كتب كتاباً وكتابة. ﴿فمنهم﴾ من الذرية، أو : مِن المرسَل إليهم، المدلول عليه من الإرسال، ﴿مُهتدٍ﴾ إلى الحق، ﴿وكثيرٌ منهم فاسقون﴾ خارجون عن الطريق المستقيم، والعدول عن سبيل المقابلة للمبالغة في الذم، والإيذان بكثرة الضلاّل والفسّاق.


الصفحة التالية
Icon