الإشارة :﴿حم﴾ أي : حببناك، ومجدناك، وملكناك، وحق الكتاب المبين. ثم استأنف فقال :﴿إنا جعلناه﴾ أي : ما شرفناك به أنت وقومك ﴿قرآناً عربياً﴾ يفهمه مَن يسمعه ﴿لعلكم تعقلون﴾ عن الله، فتشكروا نعمه. ﴿وإنه في أُمّ الكتاب﴾ أي : وإن الذي شرفناكم به في أُمّ الكتاب. قال الرتجبي : أي : إنه صفتي، كان في ذاته منزهاً عن النقائص والافتراق - أي : منزهاً عن الحروف والأصوات، التي من شأنها التغيُّر، وعن التقديم والتأخير، وهو افتراق كلماته - إذ هما من صفات الحدث. وأُم الكتاب عبارة عن ذاته القديم، لأنها أصل جميع الصفات، ﴿لَدَيْنَا﴾ معناه : ما ذكرنا أنه في أُمّ الكتاب عندنا ﴿لعلِيّ﴾ علا عن أن يدركه أحدٌ بالحقيقة، ممتنع من انتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ﴿حكيم﴾ محكِم مبين. وقال جعفر : عَلِيّ عن درك العباد وتوهمهم، حكيم فيما دبّر وأنشأ وقدّر. هـ. فانظره، فإنَّ هذه من صفات الحق، والكلام في أوصاف القرآن.
وقوله تعالى :﴿أَفَنَضْرِبُ عنكم الذِكْرَ صفحاً﴾ الآية، قال القشيري : وفي هذه إشارة لطيفة، وهو : ألا يُقطع الكلامُ عمّن تمادى في عصيانه، وأسرف في أكثر شأنه، فأحرى أن مَنْ لم يُقَصّرْ في إيمانه، أو تَلَطَّخَ بعصيانه، ولم يَدْخُل خَلَلٌ في عرفانه، فإنه لا يَمْنَعَ عنه رؤية لطائف غفرانه. هـ. يعني : أن الحق جلّ جلاله لم يقطع كلامه عمن تمادى في ضلاله، فكيف يقطع إحسانه عمّن تمسك بإيمانه، ولو أكثر من عصيانه. وكذلك أهل النسبة التصوفية، إذا اعوجّ أخوهم، لا يقطعون عنه كلامهم وإحسانهم، بل يلاطفونه، حتى يرجع، وهذا مذهب الجمهور.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣


الصفحة التالية
Icon