يقول الحق جلّ جلاله :﴿إِنَّ الذين يُحادون اللّهَ ورسولَه﴾ أي : يُعادونهما ويُشاقونهما ؛ فإنَّ كُلاَّ من المتعادين في عدوةٍ وشِقٍّ غير الآخر، وكذلك يكون كُلُّ واحدٍ منهما في حدّ غير حدّ الآخر، غير أنَّ لذكر المُحادَّة هنا لمّا ذكر حدود الله مِن حسن الموقع ما لا غاية وراءه. ثم أخبر عنهم فقال :﴿كُبِتُوا﴾ أي : أُخذوا وأُهلكوا، أو : لُعنوا ﴿كما كُبِتَ الذين من قبلهم﴾ من كُفار الأمم الماضية المعادين للرسل عليهم السلام. وقال القشيري : يُحادّون : يُخالفون أمر الله، ويتركون طاعة رسول الله، أذِلُّوا وأُخْزوا كما أُذِلَّ مَنْ قبلهم من الكفار والعصاة. نزلت في المستهزئين يوم ا لخندق، إذ الله أجرى سُنته بالانتقام من أهل الإجرام، ومَن ضيَّعَ لرسول الله سُنةً واحدة في دينه ببدعة انخرط في سلك هذا الخزي، ووقع في هذا الذُّل. هـ. وقال ابن عطية : الآية نزلت في المنافقين واليهود، وكانوا يتربصون بالرسول والمؤمنين الدوائر، ويتمنون فيهم المكروه، ويتناجون بذلك. هـ.
﴿وقد أنزلنا آياتٍ بيناتٍ﴾ : حال من ضمير " كُبتوا " أي : كُبتوا بمحادتهم، والحال أنَّا قد أنزلنا آيات واضحات فيمن حاد الله ورسولَه، ممن قبلهم من الأمم وفيما فعلنا بهم، أو : آيات على صدق الرسول وصحة ما جاء به، ﴿وللكافرين﴾ بهذه الآيات، أو : بكل ما يجب الإيمان به، فيدخل فيه تلك الآيات دخولاً أوليّاً، ﴿عذابٌ مهين﴾ يذهب بعزِّهم وكِبْرهم.


الصفحة التالية
Icon