الإشارة :﴿حم﴾، قال الورتجبي : الحاء : الوحي الخاص إلى محمد، والميم : محمد ﷺ، وذلك الوحي الخاص بلا واسطة خبرٌ عن سر في سر، لا يطلع على ذلك - الذي بين المحب والمحبوب - أحد من خلق الله، ألا ترى كيف قال سبحانه :﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَآ أَوْحَى﴾ [النجم : ١٠] ؟ وذلك إشارة إلى وحي السر في السر، وجملتها قسم، أي بمعنى الوحي السري والمحبوب، والقرآن الظاهر الذي ينبئ عن الأسرار، ﴿إنا أنزلناه﴾ هـ. قال القشيري : الحاء تشير إلى حقِّه، والميم إلى محبته، ومعناه : بحقي ومحبتي لعبادي، وكتابي العزيز إليهم، ألا أُعَذِّب أهلَ محبتي بفرقتي. هـ.
والليلة المباركة عند القوم، هي ليلة الوصال والاتصال، حين يُمْتَحى وجودُهم، ويتحقق فناؤهم، وكل وقت يجدون فيه قلوبهم، ويفقدون وجودهم ؛ فهو مبارك، وهو ليلة القدر عندهم، فإذا دام اتصالهم، كانت أوقاتهم كلها ليلة القدر، وكلها مباركة. قال الورتجبي : قوله تعالى :﴿في ليلة مباركة﴾ كانت مباركة لتجلِّي الحق فيها بالأقضية، والرحمة غالبة فيها، ومن جملتها : إنزال القرآن فيها ؛ فإنه افتتاح وصلة لأهل القرية. هـ.
قال القشيري : وسمّاها ليلة مباركة ؛ لأنها ليلة افتتاح الوصلة، وأشدُّ الليالي بركةً، ليلةٌ يكون العبد فيها حاضراً بقلبه، مشاهداً لربه، يتنسّم بأنوار الوصلة، ويجد فيها نسيم القربة، وأحوال هذه الطائفة في لياليهم مختلفة، كما قالوا، وأنشدوا :
لا أَظْلِمْ الليلَ ولا أَدَّعي
أنّ نُجومَ الليلِ ليست تَغُورُ
لَيْلِي كما شَاء فإن لم يَزرْ
طالَ، وإن زار فلَيْلي قَصيرُ
٤٣
هـ.


الصفحة التالية
Icon