وأنكر هذا ابن مسعود، وقال : هذا الدخان قد رأته قريش حين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم
٤٤
بسبع كسبع يوسف، فكان الرجل يرى من الجوع دخاناً بينه وبين السماء. ويؤيده ما يأتي بعده. وقوله :﴿مبين﴾ أي : ظاهر لا يشك أحد أنه دخان، ﴿يغشى الناسَ﴾ أي : يحيط بهم، حتى كان الرجلُ يُحدّث الرجلَ، ويسمع كلامه، ولا يراه من الدخان، أي : انتظر يوم شدة ومجاعة ؛ فإن الجائع يرى بينه وبين السماء كهيئة الدخان، إما لضعف بصره، أو لأن عام القحط يُظلِم الهواء لقلة الأمطار، أو كثرة الغبار، ﴿هذا عذابٌ أليم﴾ أي : قائلين هذا عذاب أليم.
ولما اشتد بهم القحط، مشى أبو سفيان، ونفر معه إلى رسول الله ﷺ وناشده الله تعالى والرحم، وواعدوه إن دعا لهم، وكشف عنهم، أن يؤمنوا، وذلك قوله تعالى :﴿ربنا اكشف عنا العذاب إِنا مؤمنون﴾ أي : سنؤمن إن كُشف عنا العذاب، قال تعالى :﴿أنَّى لهم الذكرَى﴾ أي : كيف يذَّكرون ويتَّعظون ويَفُون بما وعدوه من الإيمان عند كشف العذاب، ﴿وقد جاءهم رسول مبين﴾ أي : والحال أنهم يُشاهدون من دواعي التذكير وموجبات الاتعاظ، ما هو أعظم منه، حيث جاءهم رسول عظيم لشأن، بيِّن البرهان، يُبين لهم مناهج الحق بإظهار آيات ظاهرة، ومعجزات قاهرة، تخرّ لها صُمّ الجبال.