﴿كذلك﴾ أي : الأمر كذلك، فالكاف في محل الرفع، على أنه خبر عن مضمر، أو نصب على أنه مصدر لمحذوف يدل عليه :﴿تركوا﴾ أي : مثل ذلك السلب سلبناهم إياها، ﴿وأورثناها قوماً آخرين﴾ ليسوا منهم في شيء في قرابة ولا دين، ولا ولاء، وهم بنو إسرائيل، بأن تولُّوا أحكامها والتصرُّف فيها. وقال الحسن : رجعوا بعد هلاك فرعون إلى مصر، نظيره :﴿وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفَونَ...﴾ [الأعراف : ١٣٧] الآية، ومثله عن القرطبي والبيضاوي، وكذلك في نوادر الأصول، وقد تقدّم الكلام عليه في الشعراء. وفي الآية اعتبار واستبصار، وتنبيه للعاقل على عدم الاغترار، وسيأتي في الإشارة ما فيه كفاية نظماً ونثراً.
﴿فما بَكَتْ عليهم السماءُ والأرض﴾ مجاز عن الاكتراث بهلاكهم، والاعتداد بوجودهم، وفيه تهكُّم بهم، وبحالهم المنافية، بحال مَن يعظم فقده، فيقال :﴿بكت عليهم السماء والأرض﴾ وكانت العرب إذا عظَّمت مهلك رجل قالوا : بكته الريحُ والبرقُ والسماء، قال الشاعر :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٨
الرِّيحُ تَبْكِي شَجْوَها
والبَرْقُ يَلْمعُ فِي الغمامَهْ
وقال جرير، يرثي عمر بن عبد العزيز :
فالشَّمسُ طالِعةٌ ليستْ بكاسفةٍ
تَبكي عليك نُجُومَ اللَّيل والْقَمَرَا
حُمّلْتَ أمراً عظيماً فاصطَبرَتْ له
وقُمْتَ فينا بأمر اللّهِ يَا عُمَرا
وقيل : البكاء حقيقة، وأن المؤمن تبكي عليه من الأرض مُصلاَّه، ومحل عبادته،
٤٩
ومن السماء مَصْعدُ عمله، كما في الحديث، وإذا مات العالم بكت عليه حيتان البحر، ودوابه، وهَوام البر وأنعامه، والطير في الهواء، وهؤلاء لمَّا ماتوا كُفاراً لم يعبأ الوجودُ بفقدهم، بل يفرح بهلاكهم، ﴿وما كانوا﴾ لّمَّا جاء وقت هلاكهم ﴿مُنظّرين﴾ ممهلين إلى وقت آخر، أو إلى الآخر، بل عجّل لهم في الدنيا.


الصفحة التالية
Icon