﴿ولقد نجينا بني إِسرائيلَ﴾ لما فعلنا بفرعون وقومه ما فعلنا ﴿من العذاب المهين﴾ من استعباد فرعون إياهم، وقتل أبنائهم، واستحياء نسائهم، ﴿من فرعون﴾ بدل من العذاب المهين بإعادة الجار، كأنه في نفسه كان عذاباً مهيناً، لإفراطه في تعذيبهم وإهانتهم، أو خبر عن مضمر، أي : ذلك من فرعون، وقُرئ " مَن فرعون " على معنى : هل تعرفونه مَن هو في عتوه وتفرعنه ؟ وفي إبهام أمره أولاً، وتبيينه بقوله تعالى :﴿إِنه كان عالياً من المسرفين﴾ ثانياً، من الإفصاح عن كُنه أمره في الشر والفساد مما لا مزيد عليه وقوله تعالى :﴿من المسرفين﴾ إما خبر ثان، أي : كان متكبراً مسرفاً، أو حال من الضمير في " عالياً " أي : كان رفيع الطبقة من بين المسرفين، فائقاً لهم، بليغاً في الإسراف. ﴿ولقد اخترناهم﴾ أي : بني إسرائيل ﴿على عِلْمٍ﴾ أي : عالِمين بأنهم أحقاء بالاختيار، أو عالِمين بأنهم يزيغون في بعض الأوقات، ويكثر منهم الفرطات، فلم يؤثر ذلك في سوابق علمنا، ليعلم أن الجنايات لا تؤثر في الرعايات، ﴿على العالَمين﴾ أي : عالمي زمانهم، لما كثر فيهم من الأنبياء، ﴿وآتيناهم من الآيات﴾ كفلق البحر، وتظليل الغمام، وإنزال المن والسلوى، وغيرها من عظائم الآيات، ﴿ما فيه بلاء مبين﴾ نعمة ظاهرة، أو : اختبار ظاهر، لينظر كيف يعملون، وقيل : البلاء المبين هو المطالبة بالشكر عند الرضا، والصبر عند الكدر والعناء.
الإشارة : كم ترك أهلُ الغفلة والاغترار، من جنات وعيون، وزروع ومقام كريم، من قصور وديار، فارقوها، أخصب ما كانوا فيها، وأُزعجوا عنها أحوج ما كانوا إليها، استبدلوا سعة القصور بضيق اللحود والقبور، ومحاسن الملابس والتيجان بعصائب الخِّرق والأكفان، فيا مَن ركن إلى الدنيا، انظر كيف تفعل بأهلها، فرحم الله عبداً أخذ من الدنيا الكفاف، وصاحب فيها العفاف، وتزوّد للرحيل، وتأهّب للمسير.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٨


الصفحة التالية
Icon