ذكر الطرطوسي في كتابه " سراج الملوك " : قال أبو عبد الله بن حمدون : كنتُ مع المتوكل، لما خرج إلى دمشق، فركب يوماً إلى رصافة " هشام بن عبد الملك " فنظر إلى قصورها خاوية، ثم خرج فنظر إلى دير هناك قديم، حسن البناء، بين مزارع وأشجار،
٥٠
فدخله، فبينما هو يطوف به، إذ بَصُر برقعة قد التصقت بصدره، فأمر بقلعها، فإذا فيها مكتوب هذه الأبيات.
أَيا مَنْزلاً بالدّيْرِ أَصْبَحَ خَالياً
تَلاعَبَ فيه شمألُ ودِفُورُ
كَأَنَّكَ لَمْ يَسْكُنْكَ بيضٍ نَوَاعمٌ
وَلَمْ يَتَبَخْتَر في قِبابِكَ حُورُ
وأَبْنَاءُ أَمْلاكِ غَواشِمُ سَاداتٍ
صَغِيرهم عِندَ الأنَامِ كَبِيرُ
إذَا لَبسوا أَدْرَاعَهم، فعَوَابسٌ
وَإن لَبسوا تيجانَهمْ فَبُدورُ
علَى أنَّهم يَومَ اللِّقاء ضَرَاغِمٌ
وأَنَّهم يوم النَّوالِ بُحورُ
ليالي هِشامٌ بالرّصاَفَةٍ قاطنٌ
وفيك ابنه يا دَيْرَ وَهُوَ أَميرُ
إلى أن قال :
بلَى فسقاكِ الْقَيثُ صَوب سحائبٍ
عَلَيْك بِها بَعد الرَّواحِ بُكْورُ
تَذَكَّرْتُ قَومي فيكما فَبَكيتهم
بشَجْوٍ ومثْلِي بالبُكَاءِ جديرُ
فعَزيْتُ نَفْسِي وهْي نَفَسٌ إذا جَرى
لَها ذِكْر قَومِي أَنَّةٌ وزفِيرُ
فلما قرأها المتوكل ارتاع، ثم دعا صاحب الدير، فسأله : مَن كتبها ؟ فقال : لا علم لي، وانصرف هـ.
ومن هذا القبيل ما وجد مكتوباً على باب " كافور الإخشيدي " بمصر :
انْظر إلى عِبرِ الأيَّامِ مَا صنعتْ
أَفْنَتْ أنَاساً بها كانوا ومَا فينتْ
دِيارهم ضَحِكَتْ أَيَّامَ دولتِهِمْ
فإِذا خلَتْ مِنْهُم صاحتهم وبَكَتْ
ومن هذا أيضاً ما وُجد على قَصر " ذي يزن " مكتوباً :
بَاتوا على قُلَل الأجْبَال تَحْرسُهمْ
غُلْبُ الرجال فلمْ تمنعْهم الْقُلَل
واستُنزلوا منْ أَعالِي عز معْقلهمْ
فأُسْكِنوا حُفراً، يا بِئْسَ ما نَزَالوا
أَيْنَ الْوجوه التي كانت محَجَّبةً
من دُونِها تُضْرَبُ الأستارُ والكلل ؟
فأَفْصح القبرُ عَنْهم حين سائلهم


الصفحة التالية
Icon