وإِذا عَلِمَ من آياتنا شيئاً} أي : إذا بلغه من آياتنا شيئاً يمكن أن يتشبّث بها المعاند، ويجد له محملاً فاسداً يتوسل به إلى الطعن والمغمزة، ﴿اتخذها﴾ أي : مهزوءاً بها، لا ما يسمعه فقط، وإنما لم يقل : اتخذه ؛ للإشعار بأنه إذا أحسّ بشيء من الكلام فيه شيء بزعمه الركيك ؛ لم يقتصر على الاستهزاء بما بلغه، بل يستهزئ بالجميع، ويجوز أن يرجع الضمير (لشيء) لأنه في معنى الآية. ﴿أولئك لهم﴾ بسبب جناياتهم المذكورة ﴿عذابٌ مُهين﴾ وصف العذاب بالإهانة توفية لحق استكبارهم واستهزائهم بآيات الله تعالى، وجمع الإشارة باعتبار ما في ﴿كل أفَّاك أثيم﴾ من الشمول، كما في قوله تعالى :﴿كُلُّ حِزْبِ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [المؤمنون : ٥٣]، وأفرد فيما سبق من الضمائر باعتبار كل واحدٍ واحد، ﴿مِن ورائهم جهنمُ﴾ أي : من قدّامهم، لأنهم متوجهون إلى ما أعدّ لهم، أو : مِن خلقهم ؛ لأنهم معرضون عن ذلك، مقبلون على الدنيا، فإن الوراء : اسم للجهة التي يواريها الشخص من قدّام وخلف، ﴿ولا يُغني عنهم﴾ لا يدفع عنهم ﴿ما كسبوا﴾ من الأموال والأولاد ﴿شيئاً﴾ من عذاب الله تعالى، ﴿ولا ما اتخذوا من دون الله أولياءَ﴾ أي : الأصنام، و " ما " مصدرية، أو موصولة، وتوسيط حرف النفي بين المعطوفين ينبئ أن عدم إغناء الأصنام أظهر وأجلى من عدم إغناء الأموال والأولاد قطعاً، مبني على زعمهم الفاسد، حيث كانوا يطمعون في شفاعتهم ﴿ولهم عذاب عظيم﴾ لا يقادر قدره.
٦٣


الصفحة التالية
Icon