﴿هذا﴾ أي : القرآن ﴿هُدىً﴾ في غاية الكمال من الهداية، كأنه نفس الهدى، ﴿والذين كفروا بآيات ربهم﴾ أي : القرآن، وإنما وضع موضع ضميره الآيات لزيادة تشنيع كفرهم وتفظيع حالهم، ﴿لهم عذابٌ من رِجْزٍ﴾ من أشد العذاب ﴿أليم﴾ مؤلم، بالرفع صفة " عذاب "، وبالجر صفة " رِجز "، وتنوين عذاب في المواضع الثلاثة للتخيم. الإشارة : مَن لم يضبط لسانه وجوارحه، وتصاممت آذانُ قلبه عن تدبُّر القرآن، فالويل حاصل له، ويُبَشَّر بالخيبة والخسران من مراتب أهل العرفان، ومن ضبط أمور ظاهره بالتقوى، وفتحت آذان قلبه لسماع كلام المولى، فقد فَاز بعز الدارين. قال القشيري : فمَن استمع بسمع الفهم، واستبصر بنور التوحيد، فاز بذُخْر الدارين، وتصدَّى لعز المنزلتين، ومَن تصامم بحكم الغفلة، وقع في وهدة الجهل، ووُسِم بكى الهَجْر. هـ.
قوله تعالى :﴿إذا علم من آياتنا شيئاً اتخذوها هزواً﴾ قال القشيري : وقد يُكاشَفُ العبدُ من مواطن القلب بتعريفاتٍ لا يداخله فيها ريبٌ، ولا يتخلله فيها شكٌّ فيما هو فيه من حاله، فإذا استهان بها وقع في ذُلِّ الحجْبة، وحجاب الفرقة وهوانها. هـ. فإذا صفا القلب صار مرسى لتجلي الواردات الإلهية، وهي آية من آياته، فإذا تجلّى فيه شيء بأمر أو نهي فاستهان به وخالفه أدّبه الحق على ذلك، إما في ظاهره، وهو أخف، أو في باطنه بالحجبة أو الفرقة، ولقد سمعت شيخ شيخنا، مولاي العربي الدرقاوي رضي الله عنه يقول : لي ثلاثون سنة ما خالفت قلبي في شيء إلا أدّبني الحق تعالى عليه. هـ. أي : في ظاهره، وذلك لغاية صفائه.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٣
قوله تعالى :﴿من ورائهم جهنم..﴾ الآية، لا عذاب أشد من الحجب بعد الإظهار، والفرقة بعد الوصال، وأنشدوا :
فَخَلِّ سَبِيلَ الْعَيْنِ بَعْدَكَ لِلبُكَا
فَلَيسَ لأيَّام الصَّفاء رجوعُ
انظر القشيري.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٣