﴿تبتغي مَرْضَاتَ أزواجِك﴾ : حال، أو استئناف مُبيّن للحال الداعي، أي : تطلب رضا أزواجك بالتضييق على نفسك، والمراد : رضا حفصة، وهذا يُؤيد أنها نزلت في تحريم الجارية، وأمّا تحريم العسل فلم يقصد به رضا أزواجه، وإنما تركه لرائحته. ﴿واللهُ غفور﴾ أي : غفور لك ما كان تركه أولى من الصدع بالحق من غير مبالاة بأحدٍ، ولا تُضيّق على نفسك، ﴿رحيم﴾ بك، حيث وسّع عليك، ولم يرضَ لك أن تُضيق على نفسك. قال القشيري : ظاهرُ هذا الخطاب عتابٌ على كونه حَرَّمَ على نفسه ما أحلّه اللهُ لمراعاة قلب امرأته، والإشارة فيه : وجوب تقديم حق الله على كل شيء في كل وقت. ثم قال تعالى، عنايةً بأمره :﴿قد فرض اللهُ لكم تَحِلَّةَ أيمانكم﴾ وتجاوزاً عنه بما كان تركه أولى. هـ.
والحاصل : أنه تعالى غفر له ميله للسِّوى سهواً، والسهو قهرية الحق تعالى، قهر بها عبادَه ليتميّز ضعف العبودية من قوة الربوبية، وهو ليس بنقصٍ في حق البشر، لكنه لمّا
٨٠
كان في الغالب لا يحصل إلاَّ مع عدم العزم عُدَّ تفريطاً وهفوة، كما قال تعالى في حق آدم :﴿فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً﴾ [طه : ١١٥]، فالمغفرة في الحقيقة، وطلب التوبة من السهو، إنما هو لقلة العزم وعدم الحزم، وحسنات الأبرار سيئات المقربين، ولا تصغ بأذنك إلى ما قاله الزمخشري ومَن تبعه من كون ما فعله عليه السلام زلة، حيث حرّم ما أحلّ الله، فإنه تجاسر على منصب النبوة، وقلة أدب. وقوله تعالى :﴿ما أحلّ الله لك﴾ زيادة " لك " تَرُدّ ما زعمه الزمخشري، ولو كان كما قال لقال له : لِم تحرم ما أحلّ الله.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٧٩


الصفحة التالية
Icon