ثم قال تعالى :﴿قد فَرَضَ اللهُ لكم تَحِلَّةَ أَيمانكم﴾ أي : شرع لكم تحليلها، وهو حل ما عقده بالكفَّارة، أو بالاستثناء متصلاً، والأول هو المراد هنا، وهل كفَّر عليه الصلاة والسلام ؟ قال مقاتل : أعتق رقبةً، وقال الحسن : لم يُكفِّر ؛ لأنه مغفور له. قال بعضهم : هذه التحلة إنما هي لليمين المقرونة بالتحريم، وقال بعضهم : بل هي لنفس التحريم، وبه تمسّك أبو حنيفة في تحريم الحلال، فأوجب كفارةَ اليمين. ﴿واللهُ مولاكم﴾ أي : سيدكم ومتولي أمورَكم، فلا يُحب ما ضيّق عليكم. قال في الحاشية الفاسية : ومَن تأمّل هذه السورة لاح له منزلةَ حبيب الله عند الله، وحقق معنى قول عائشة :" يا رسول الله ؛ ما أرى ربك إلاّ يُسارع في هواك " الحديث متفق على صحته هـ ﴿وهو العليمُ﴾ بما يُصلحكم، فيشرعه لكم، ﴿الحكيمُ﴾ المتقن في أفعاله وأحكامه، فلا يأمركم ولا ينهاكم ألاَّ بما تقتضيه الحكمة البالغة.
الإشارة : هذا العتاب يتوجه لكل مَن سبقت له عند الله عناية وزلفى، إذا ضَيّق على نفسه فيما أحلّ اللهُ له، فلا يرضى منه ذلك، محبةً فيه، وقد صدر مني مثل هذا زمان الوباء، فحلفت لبعض أزواجي : أني لا أتزوج عليها، وسبب ذلك أنها كانت مصارِمة لي، في غاية الغضب والقطيعة، وقد كان غلب على ظني الموت، لِما رأيتُ من الازدحام عليه، فخفتُ أن نموت متقاطعَين، فلمّا حلفتُ لها رأى بعض الفقراء من أصحابنا : أنه يقرأ عليّ أو معي :﴿يا أيها النبي لِمَ تُحرم...﴾ الخ السورة، ففهمت الإشارة على أنّ اليمين لا تلزم، والله أعلم، لأنّ بساط اليمين كان غلبة ظن الموت، فلما تخلّف انحل اليمين، كقضية الرجل الذي وجد الزحام على اللحم، فحلف لا يشتري لحماً أبداً، ثم وجد الفراغ، فقال مالك : لا يلزمه شيء. هـ.