وقال الورتجبي : أدب نبيه عليه الصلاة والسلام ألاَّ يستبد برأيه، ويبتع ما يُوحى إليه. هـ. وجعل القشيري النبيَّ إشارة إلى القلب، أي : يا أيها القلب المتوجِّه لِمَ تُحرم ما أحلّ الله من حلاوة الشهود، تبتغي مرضاة نفسك وحظوظها، فتتبع هواها، وتترخّص في مباحات الشريعة، وهي تحجب عن أسرار الحقيقة، أو : لِمَ تُحرِّم ما أحلّ الله من
٨١
الاستغراق في سُكر بحر الحقيقة، تبتغي مرضاة بقاء نفسك، والشعور بوجودها. وكان ﷺ يقول :" لي وقت لا يَسعني فيه غير ربي " وكان يقول لعائشة حين يغلب عليه السُكْر والاضمحلال في الحق :" كلميني حركيني يا حميراء " وكذلك القلب إذا غلب عليه الوجد، وخاف من الاصطلام، أو مِن مَحق البشرية، يطلب مَن يبرد عليه مِن نفسه أو مِن غيره، وقد سَمِعْتُ مِن شيخ شيخنا رضي الله عنه أنه قال : كان يغلب عَلَيَّ الوجد والسكر، فكنت أذهبُ إلى مجالسة العوام ليبُرد عليّ الحال، خوفاً من الاصطلام أو المحق، وذلك بعد وفاة شيخه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٧٩
وقوله تعالى :﴿والله غفور رحيم﴾ أي : فلا يؤاخذ العبدَ بهذا الميل اليسير إلى الحس، دواء لنفسه، قد فرض اللهُ لكم تحلةَ أيمانكم، أي : الميل اليسير إلى الرفق بالنفس ؛ لأنها مطية القلب، بمجاهدتها يصل إلى كعبة الوصول، وهي حضرة الرب. وبالله التوفيق.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٧٩


الصفحة التالية
Icon