﴿والملائكةُ﴾ مع تكاثر عددهم وامتلاء السموات من جموعهم ﴿بعد ذلك﴾ أي : بعد نصرةِ الله عزّ وجل، وناموسه الأعظم، وصالح المؤمنين، ﴿ظهيراً﴾ أي : فوْج ظهير مُعاون له، كأنهم يد واحدة على مَن يعاديه، فماذا يفيد تظاهر امرأتين على مَنْ هؤلاء ظُهراؤه ؟ ولمّا كانت مظاهرة الملائكة من جملة نصرة الله، قال :﴿بعد ذلك﴾ تعظيماً لنصرتهم ومظاهرتهم.
﴿عسى ربُّه إِن طَلَّقكُنَّ أن يُبْدِلَه﴾ بالتخفيف، والتشديد للتكثير، أي : يعطيه اللهُ
٨٣
تعالى بدلكن ﴿أزواجاً خيراً منكن﴾، قال النسفي : فإن قلتَ : كيف تكون المبدّلات خيراً منهنَ، ولم يكن على وجه الأرض نساء خيراً من أمهات المؤمنين ؟ قلتُ : إذا طلّقهنّ رسولُ الله ﷺ لإيذائهنّ إياه لم يبقين على تلك الصفة، وكان غيرهن من الموصوفات بهذه الأوصاف خيراً منهن. هـ. وأجاب أبو السعود : بأنّ ما عُلّق بما لم يقع لا يجب وقوعه. هـ. وليس فيه ما يدلّ على أنه ﷺ لم يُطلِّق حفصة، فإنّ تعليق طلاق الكل لا ينافي تطليق واحدة.
ثم وصف المبدَلات بقوله :﴿مُسلماتٍ مؤمناتٍ﴾ أي : مُقرّات مخلصات، أو : منقادات مصدّقات، ﴿قانتاتٍ﴾ ؛ طائعات، فالقنوت : هو القيام بطاعة الله، وطاعة الله في طاعة رسوله، ﴿تائباتٍ﴾ من الذنوب ﴿عابداتٍ﴾ ؛ متعبدات متذللات، ﴿سائحاتٍ﴾ ؛ صائمات، وقيل للصائم : سائح ؛ لأنَّ السائح لا زاد معه، فلا يزال ممسكاً إلى أن يجد من يُطعمه، فشبّه به الصائم في إمساكه إلى وقت إفطاره، أو : مهاجرات. قال زيد بن أسلم : لم يكن في هذه الأمة سياحة إلاَّ الهجرة، ﴿ثيباتٍ وأبكاراً﴾، إنما وسط العاطف بين الثيبات والأبكار، دون سائر الصفات ؛ لأنهما صفتان متباينتان، وعَطْف الأبكار على الثيبات من باب الترقي من الأدنى إلى الأعلى، كقوله تعالى :﴿وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَ لاَ كَبِيرَةً...﴾ [التوبة : ١٢١]. والله تعالى أعلم.