جزء : ٨ رقم الصفحة : ٨٢
الإشارة : توجه العتاب له ﷺ مرتين في تحريم الجارية، وفي إخفائه لذلك، إذ فيه بعض مراقبة الخلق، والعارف لا يُراقب إلاّ الحق، فهذا قريب من قوله تعالى :﴿وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أّحَقُّ أَن تَخْشَاهُ﴾ [الأحزاب : ٣٧]، ففيه من التصوُّف : أنَّ العارف يكون الناس عنده كالموتى، أو كالهباء في الهواء، وفي الحديث عنه عليه الصلاة والسلام :" لا يؤمن أحدكم حتى يكون الناس عنده كالأباعر " إذا ليس بيدهم نفع ولا ضر.
وإشارة الآية على ما قال القشيري : وإذ أَسَرَّ القلبُ إلى بعض أزواجه، وهي النفس والهوى، حديث المخالفة، على طريق " شاوروهنّ وخالِفوهنّ " فلما نبأت النفسُ الهوَى لتفعلا ذلك، وأظهره الله عليه بوحي الإلهام، عَرَّف بعضَه وأعرض عن بعض، أي : عاتبهما على البعض، وسامحهما في الآخر، فلما نبأ القلبُ النفسَ بما أفشت للهوى، قالت : مَن أنبأك هذا.. الخ، إن تتوبا إلى الله، وتنقادا لحكمه فقد وقع منكما ما يوجب التوبة، وإن تظاهرا على القلب بتزيين المخالفة وتتبع الحظوظ والشهوات، فإنَّ الله هو مولاه، ينصره بالأجناد السماوية والأرضية، من التأييدات والواردات، عسى ربه إن طلقكن
٨٤
وغاب عنكن أن يُبدله أخلاقاً طيبة، ونفوساً مطمئنة، مسلماتٍ مؤمناتٍ قانتاتٍ تائباتٍ، عابداتٍ سائحاتٍ بأفكارها في ميادين الغيوب، وبحار التوحيد، ثيبات، أي : تأتي بعلوم الرسميات وأبكار الحقائق.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٨٢


الصفحة التالية
Icon