بالأواني، وإنما خصّ الحق ـ تعالى ـ السماء بالذكر ؛ لأنها مرتفعة معظّمة، فناسب ذكر العظيم فيها، وعلى هذا تُحمل الأحاديث والآيات الواردة على هذا المنوال. وليس هنا حلول ولا اتحاد ؛ إذ ليس في الوجود إلاّ تجليات الحق ومظاهر ذاته وصفاته، كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما كان عليه، فما مثال الكون إلا كجبريل حين يتطوّر على صورة دحية، غير أنَّ رداء الكبرياء منشور على وجه ذاته وأسرار معانيه، وهو ما ظهر من حسن الكائنات، وما تلوّنت به الخمرة من أوصاف العبوية. ولا يفهم هذا إلاَّ أهل الذوق السليم. وبالله التوفيق.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٩٧
يقول الحق جلّ جلاله :﴿أَوَلَمْ يَرَوُا﴾ أي : أَغَفلُوا ولم ينظروا ﴿إِلى الطيرِ﴾ ؛ جمع طائر ﴿فوقهم﴾ في الهواء ﴿صافاتٍ﴾ ؛ باسطاتٍ أجنحتها في الجو عند طيرانها ﴿ويقبِضْنَ﴾ ؛ ويضممنها إذا ضربن بها حيناً فحيناً، للاستظهار به على التحرُّك، وهو السر في إيثار (ويقبضن) الدال على تجدُّد القبض تارة بعد تارة على " قابضات "، فـ " يقبضن " : معطوف على اسم الفاعل حملاً على المعنى، أي : يصففن ويقبضن، أو : صافات وقابضات. والطيران في الهواء كالسباحة في الماء، والهواء للطائر كالماء للسابح، والأصل في السباحة : مدّ الأطراف وبسطها، وأمّا القبض فطارىء على البسط للاستظهار به على التحرُّك. ﴿ما يُمسِكُهُنَّ﴾ في الجو عند البسط والقبض على خلاف مقتضى الطبع ﴿إلاَّ الرحمنُ﴾ الواسع رحمته كل شيء، ومن جملتها : إمساكه الطير في الهواء بقدرته، وإلا فالثقيل يسفل طبعاً ولا يطفو، وكذلك لو أمسك حِفظَه وتدبيره للعالم لتهافت وتلاشى. ﴿إِنه بكل شيءٍ بصيرٌ﴾ يعلم كيفية إبداع المبدعات، وتدبير المصنوعات، ومن مبدعاته : أنَّ الطير على أشكال وخصائص هيّأهن للجري في الهواء.