من الجنون، ملتبساً بنعمة ربك، التي هي النبوة والرسالة. والتعبير بعنوان الربوبية المنبئة عن التبليغ إلى معاريج الكمال، مع الإضافة إلى ضميره ﷺ لتشريفه عليه السلام والإيذان بأنه تعالى يُتم نعمته عليه، ويُبلغه من العلو إلى غاية لا غاية وراءه، والمراد : تنزيهه عليه السلام عما كانوا ينسبونه من الجنون حسداً وعداوة ومكابرة، مع جزمهم بأنه ﷺ في غاية الغايات القاصية، ونهاية النهايات الثابتة من حصافة العقل، ورزانة الرأي. ﴿وإِنَّ لك﴾ في مقابلةِ مقاساتك ألوان الشدائد من جهتهم، وتحمُّلك لأعباء الرسالة ﴿لأجراً﴾ عظيماً لا يُقادَر قدره ﴿غيرَ ممنونٍ﴾ ؛ غير مقطوع، أو : غير ممنون به عليك من جهة الناس، بأن أعطاه تعالى لك بلا واسطة.
﴿
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٠٤
وإنك لعلى خُلُقِ عظيم﴾ لا يُدْرِك شأوَه أحدٌ مِن الخلق، ولذلك تَحْتَمِل من جهتهم ما لا يحتمله أحد من البشر. وسُئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلقة ﷺ، فقالت : كان خُلقه القرأن، ألست تقرأ القرآن :﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ...﴾ [المؤمنون : ١] الآية. وقيل : المراد : التأدُّب بآداب القرآن، بامتثال أمره واجتناب نهيه.