جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٠٧
الإشارة : فستُبصر أيها العارف، والمتوجّه إلى الله، ويُبصر أهل الانتقاد من أهل الغفلة، أيكم المفتون، هل أنتم حين اجتمعت قلوبكم بالله، وجعلتم الهموم هَمًّا واحداً، فكفاكم الله همّ دنياكم، أو : هُم الذين تفرّقت قلوبهم، وتشعّبت همومهم، حتى ماتوا في أودية الفتن، فلم يُبالِ الله بهم في أيّ أودية الدنيا هلكوا، كما في الأثر. إن ربك هو أعلم بمَن ضَلّ عن طريقه الموصلة إليه، وهو أعلم بالمهتدين إليها، السائرين فيها، حتى وصلوا إلى حضرة قدسه، فلا تُطع أيها المتوجّه المكذّبين لهذه الطريق، ودُّوا لو تلينون إليهم، وتشاركونهم فيما هم فيه من الحظوظ، فيميلون إليكم، طمعاً فيكم أن يصرفوكم
١٠٩
عن طريق الجد والاجتهاد، ولا تُطع كل حلاّف مهين، قال القشيري : مّهين : هو الذي سقط من عيننا، فأقمناه بالبُعد عنا، همّاز مشاء بنميم، مُعذَّب بالوقيعة في أوليائنا. هـ.
قال بعضهم : بُحث عن النمَّام فلم يوجد إلا ابن الزنا، واستدل بالآية في قوله :﴿بعد ذلك زنيم﴾. وقوله تعالى :﴿منَّاعٍ للخير﴾، وضده من أخلاق الصوفية، وهو أن يكون وصّالاً للخير لعباد الله، حسًّا ومعنىً، ﴿معتد أثيم﴾ وضده : كثير الإحسان والطاعة، ﴿عُتل﴾ وضده : سهل لين، ﴿بعد ذلك زنيم﴾ أي : لقيط، لا أب له، وكل مَن لا شيخ له يصلح للتربية فهو لقيط، لا أب له، فلا يصلح للاقتداء كما لا يؤم الناسَ ابنُ الزنا، وقوله تعالى :﴿أن كان ذا مال وبنين إِذا تُتلى عليه آياتنا قال...﴾ الخ. أي : إنما حمله على التكذيب طغيانه بالمال، وهذه عادته تعالى : أنَّ المترفين لا ينالون من طريق السابقين شيئاً إلاَّ النادر. والله تعالى أعلم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٠٧


الصفحة التالية
Icon