يقول الحق جلّ جلاله :﴿إِنَّا بلوناهم﴾ ؛ أهل مكة، أي : امتحنّاهم بالقحط والجوع، حتى أكلوا الجِيفَ الرِّممَ، بدعاء النبي صلى الله عليه سلم حيث قال :" اللهم اشدُدْ وطأتَك على مُضَرَ، واجعلها عليهم سِنينَ كسِني يوسفَ " ﴿كما بلونا أصحابَ الجنةِ﴾، وهم قوم من أهل الصلاة، قيل : كانوا مؤمنين، أهل كتاب، بعد رفع عيسى عليه السلام وكانوا بـ " ضرْوان " على فراسخ من صنعاء اليمن. قال ابن جزي : كانوا من بني إسرائيل. هـ. والجنة، قال ابن عباس : هو بستان، يقال له : الضّروان، دون صنعاء بفرسخين، يطؤه أهل الطريق، كان غَرَسه رجل من أهل الصلاح، فورثه ثلاثة بنين، فإذا أصرموه كان للمساكين كل ما تعدّاه المنجل والقِطاف، فإذا طرح من فوق النخل إلى البساط، فكل شيء سقط عن البساط ؛ فهو للمساكين، فكان أبوهم يتصدّق منها على المساكين، فكان يعيش من ذلك
١١٠
في حياة أبيهم اليتامى والأرامل والمساكين، وفي رواية : كان يأخذ قوت سنة، ويتصدّق بالباقي، وكان ينادي على الفقراء وقت الصرام، فلما مات أبوهم ؛ قالوا : لقد قلَّ المال، وكثر العيال، فتحالفوا بينهم ليغدوا غدوة قبل خروج الناس، ويصرمونه، ولا يشعر المساكين، وهو قوله تعالى :
﴿إِذْ أقسَموا﴾ ؛ حلفوا ﴿لَيَصْرِمُنَّهَا مصبحين﴾ ؛ ليقطفنّها داخلين في الصباح، قبل انتشار الفقراء، ﴿ولا يستثنون﴾ ؛ لا يقولون إن شاء الله، وسمي استثناء، وإن كان شرطاً صورةً ؛ لأنه يؤدي مؤدّى الاستثناء ؛ لأنّ قولك : لأخرجنّ إن شاء الله، و : لا أخرج إلاّ أن يشاء الله، واحدٌ، أو : لا يستثنون ؛ حصة المساكين، كما كان يفعل أبوهم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١١٠