﴿أفنجعلُ المسلمين كالمجرمين﴾، تقرير لِما قبله من فوز المتقين بجنات النعيم، ورَدٌّ لما يقوله الكفرة عند سماعهم لحديث الآخرة، وما أعدّ للمسلمين، فإنهم كانوا يقولون : إن صحّ أنَّا نُبعث كما يزعم محمد ومَن معه، لم يكن حالنا وحالهم إلاَّ مثل ما هي في الدنيا، لم يزيدوا علينا، ولم يفضلونا، فرَدّ الله عليهم. والهمزة للإنكار، والعطف على مُقدّر يقتضيه المقام، أي : أنحِيفُ في الحُكم، فنجعل المسلمين الذين كابدوا مشاقَ
١١٣
الطاعات، وترك المخالفات، كالكافرين الذين عُجِّلت طيباتهم في الحياة الدنيا، ثم قيل لهم بطريق الالتفات ؛ لتأكيد الرد والتشديد :﴿ما لكم كيف تحكمون﴾ هذا الحُكم الأعوج، وهو التسوية بين المطيع والعاصي، كأنَّ أمر الجزاء مُفوض إليكم، تحكمون فيه كيف شئتم! وهو تعجيب واستبعاد وإيذان بأنه لا يصدر عن عاقل. ﴿أم لكم كتاب﴾ نازل من السماء ﴿فيه تدرُسُون﴾ ؛ تقرؤون في ذلك الكتاب، ﴿إنَّ لكم فيه﴾ أي : في ذلك الكتاب ﴿لَمَا تخيَّرون﴾ أي : إن ما تختارونه وتشتهونه حاصل لكم! والأصل : تدرسون أنَّ لكم ما تتخيرون، بفتح " أنّ " لأنه مدروس، لوقوع الدرس عليه، وإنما كسرت لمجيء اللام في خبره، ويجوز أن يكون حكاية للمدروس بلفظه، كقوله :﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الأَخِرِينَ سَلَـام عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِين﴾ [الصافات : ٧٨، ٧٩] أي : تركنا عليه السلام على قولٍ. وتخيّر الشيء واختاره : أخذ خيره.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١١٣