رُوي أن الله تعالى يقول :" يا أوليائي، طالما نظرتُ إليكم في الدنيا، وقد قلَصَتْ شفاهكم عن الأشربة، وغارت أعينكم، وخمصت بطونكم، فكونوا اليوم في نعيمكم، وكلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية " ولا تقصر الآية على الصوم، بل كل ما أسلف الإنسانُ من الأعمال الصالحة داخل في الآية، بدليل قوله تعالى :﴿كُلُواْ وَاشْرَبُواْ هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الطور : ١٩ والمراسلات : ٤٣].
وهذه الآية وأمثالها هزّت قلوب المجتهدين، حتى عمَّروا أوقاتهم، وحافظوا على أنفاسهم ؛ لئلا تضيع، وكان عمر رضي الله عنه يقول : حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبُوا، فإنه أهون، أو أيسر لحسابكم، وزنوا أنفسكم قبل أن تُوزنوا وتجهّزوا للعرض الأكبر،
١٢٧
يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية. هـ.
﴿وأمَّا مَن أُوتي كتابه بشِماله﴾، ورأى ما فيه من قبائح الأعمال، ﴿فيقول يا ليتني لم أُوتَ كتابيهْ﴾ أي : لم أُعطَ كتابي، ﴿ولم أّدْرٍ ما حسابيهْ﴾ أي : يا ليتني لم أعلم حسابي، ولم أقف عليه، لِمَا شاهد من سوء العاقبة، ﴿يا ليتها﴾ : يا ليت الموتة التي متُّها ﴿كانت القاضيةَ﴾ أي : القاطعة لأمري، ولم أُبعث بعدها، ولم ألقَ ما لقيت، فضمير " ليتها " للموتة، ويجوز أن يكون لِما شاهده من الحالة، أي : يا ليت هذه الحالة كانت الموتة التي قُضيت عليَّ ؛ لأنه وجدها أَمَرّ من الموت، فتمناه عندها، وقد جوّز أن يكون للحياة الدنيا، أي : يا ليت الحياة الدنيا كانت الموتة ولم أُخْلَق حيًّا. ﴿ما أغنى عن مالِيَهْ﴾ أي : ما نفعني ما جمعتُ من الأموال شيئاً، فـ " ما " نافية، أو استفهامية للإنكار، أي : أيُّ شيء أغنى عني ما كان لي من اليسار ؟ ﴿هلك عني سلطانيهْ﴾ أي : مُلكي وعزي، وتسلُّطي على الناس، وبقيتُ فقيراً ذليلاً، أو : حُجتي التي كنت أحتجّ بها في الدنيا.


الصفحة التالية
Icon