يقول الحق جلّ جلاله :﴿فلا أُقسم﴾ أي : أُقسم، على أن " لا " مزيدة للتأكيد، كقوله :﴿فَلاَ وَرَبِكَ﴾ [النساء : ٦٥] أي : احلف ﴿بما تُبصرون﴾ في عالم الشهادة، ﴿وما لا تُبصرون﴾ مما هو في عالم الغيب، أو بما تُبصرون من الأرض والسماء، والأجسام والأجرام، وما لا تُبصرون من الملائكة والأرواح، أو : ما تُبصرون من النعم الظاهرة، وما لا تُبصرون من النِعَم الباطنة. والتحقيق : أنه أقسم بالكل ﴿إِنه﴾ أي : القرآن ﴿لقولُ رسولٍ كريم﴾
١٣٠
على الله، وهو محمد ﷺ، أو جبريل عليه السلام، أي : يقوله ويتكلم به على وجه الرسالة من عند الله عزّ وجل، ﴿وما هو بقولِ شاعرٍ﴾ كما تزعمون تارة، ﴿قليلاً ما تؤمنون﴾ أي : إيماناً قليلاً تؤمنون، ﴿ولا بقول كاهنٍ﴾ كما تزعمون ذلك تارة أخرى، والكاهن هو الذي يُخبر عن بعض المضمرات، فيُصيب بعضها ويخطىء أكثرها، ويزعم أنَّ الجن تُخبره بذلك، ويدخل فيه : مَن يُخبر عن المغيبات من جهة النجوم أو الحساب، ﴿قليلاً ما تذكّرون﴾، والقلة في معنى العدم، يقال : هذه أرض قلما تُنبت ؛ أي : لا تنبت أصلاً، والمعنى : لا تؤمنون ولا تذكرون ألبتّة.
وقال ابن عطية : يحتمل أن تكون (ما) نافية ؛ فينتفي إيمانهم ألبتة، ويحتمل أن تكون مصدرية، فيتصف إيمانهم بالقلة، ويكون إيماناً لغوياً ؛ لأنهم صدّقوا بأشياء يسيرة، لا تغني شيئاً. هـ. فتحصل في (ما) ثلاثة أقوال ؛ المشهور : أنها زائدة لتأكيد القلة. قال أبو السعود : قيل : ذكر الإيمان مع نفي الشاعرية ؛ لأنّ عدم مشابهة القرآن للشِعر أمر بيِّن، لا يُنكره إلاَّ معاند، بخلاف مباينته للكهانة ؛ فإنه يتوقف على تذكُّر أحواله ﷺ ومعاني القرآن المنافية لطريقة الكهنة، ومعاني أقوالهم، وأنت خبير بأنَّ ذلك أيضاً مما لا يتوقف على تأمُّل قطعاً. وقُرىء بالياء فيهما. هـ.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٣٠