فاصبرْ} يا محمد ﴿صبراً جميلاً﴾، وهو متعلق بـ " سأل سائل " لأنَّ استعجال النضر بالعذاب إنما كان على وجه الاستهزاء برسول الله ﷺ والتكذيب بالوحي، وكان ذلك مما يؤذي الرسولَ ـ عليه الصلاة والسلام ـ فأُمر بالصبر عليه. والصبر الجميل : ألاَّ يصحبه جزع ولا شكوى. قال بعضهم : الأمر بالصبر الجميل مُحْكم في كل حال، فلا نسخ فيه، وقيل : نسخ بالقتال. ﴿إِنهم﴾ أي : الكفار ﴿يَرَوْنه﴾ أي : العذاب، أو يوم القيامة ﴿بعيداً﴾ ؛ مستحيلاً، ﴿ونراه قريباً﴾ ؛ كائناً لا محالة، فالمراد بالبعيد : البعيد من الإمكان، وبالقريب : القريب منه، أي : ونعلمه هيّناً في قدرتنا غير بعيد علينا ولا متعذّر. ثم بيَّن وقته بقوله :﴿يومَ تكونُ السماءُ كالمُهْل﴾، فهو متعلق بـ " قريباً " أي : يمكن ويقع في ذلك اليوم. قال أبو السعود : ولعل الأقرب أن قوله تعالى :﴿سأل سائل﴾ حكاية لسؤالهم المعهود، على طريقة قوله تعالى :﴿يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ﴾ [الأعراف : ١٨٧والنازعات : ٤٢] وقوله تعالى :﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ﴾ [يونس : ٤٨] ونحوه، إذ هو المعهود بالوقوع على الكافرين، لا ما دعا به النضر أو أبو جهل أو الفهري، فالسؤال بمعناه، والباء بمعنى " عن "، وقوله تعالى :﴿ليس له دافع، من الله﴾ : استئناف مسوق لبيان وقوع المسؤول عنه لا محالة، وقوله تعالى :﴿فاصبرْ صبراً جميلا﴾ مترتب عليه، أي : فاصبر فإنه يقع لا محالة. وقوله تعالى :﴿إنهم يرونه بعيداً...﴾ الخ تعليل للأمر بالصبر. وقوله تعالى :﴿يوم تكون﴾ : متعلق بـ " ليس له دافع " أو : بما يدل عليه، أي : يقع يوم تكون السماء كالمُهل، وهو ما أذيب على مَهَل من النحاس والقار، وقيل : كدرديِّ الزيت. هـ. ﴿وتكونُ الجبالُ كالعِهْنِ﴾ ؛ كالصوف المصبوغ ألواناً ؛ لأن الجبال ﴿جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ﴾ [فاطر : ٢٧]، فإذا بُسّت، وطُيِّرَتْ في الجو أشبهت العهن المنفوش