يقول الحق جلّ جلاله :﴿إِنَّ الإِنسانَ خُلق هلوعاً﴾، قال ابن عباس : الهلوع : الحريص على ما لا يجده، وعن الضحاك : هو الذي لا يشبع. وأصل الهلع : أشد الحرص وأسوأ الجزع، قال ﷺ :" شر ما أعطي العبدُ شحٌّ هالع، وجُبن خالعٌ "، وأحسن تفاسيره : ما فسّره به الحق تعالى بقوله :﴿إِذا مسّه الشرُّ جَزوعاً﴾ ؛ مبالغ في الجزع، ﴿وإِذا مسّه الخيرُ﴾ أي : السعة والعافية ﴿مَنوعاً﴾ ؛ مبالغاً في المنع والإمساك، وسُئل ثعلب عن الهلوع، فقال : قد فسّره اللهُ تعالى، ولا يكون تفسيرٌ أبين من تفسيره، وهو الذي إذا ناله شرٌّ أظهر شدّة الجزع، وإذا ناله خيرٌ بخل ومنع، وهذا طبعه، وهو مأمور بمخالفة طبعه، وموافقة شرعه. والشرُّ : الضرُّ والفقر، والخير : السعة والغنى.
ثم استثنى مِن الإنسان ؛ لأنَّ المراد به الجنس، فقال :﴿إِلاَّ المُصَلِّين الذين هم على صلاتهم دائمون﴾ لا يشغلهم عنها شاغل ؛ لاستغراقهم في طاعة الخالق، واتصافهم بالإشفاق على الخلق، والإيمان بالجزاء، والخوف من العقوبة، وكسر الشهوة، وإيثار الآجل على العاجل، على خلاف القبائح المذكورة، التي طبع عليه البشر. قال ابن جُزي : لأنَّ صلاتهم تحملهم على قلة الاكتراث بالدنيا، فلا يجزعون مِن شرها، ولا يبخلون بخيرها. هـ. وسيأتي في الإشارة تحقيقها إن شاء اللهُ. ﴿والذين في أموالهم حقٌّ معلومٌ﴾ يعني الزكاة ؛ لأنها مقدّرةٌ معلومةٌ، أو صدقةٌ يوظفها الرجلُ على نفسه، يؤديها في أوقات معلومة، ﴿للسائلِ﴾ الذي يسأله، ﴿والمحرومِ﴾ الذي لا يسأله تعفُّفاً، فيظن أنه غني، فيُحرم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٣٧