فَذَرْهم} ؛ فدع المكذِّبين ﴿يخوضوا﴾ في باطلهم، التي من جملتها ما حكي عنهم، ﴿ويلعبوا﴾ في دنياهم ﴿حتى يُلاقوا يومَهم الذي يوعدون﴾، وهو يوم البعث عند النفخة الثانية، يدل عليه قوله تعالى :﴿يوم يَخرجون من الأجدَاثِ﴾ ؛ القبور ﴿سِراعاً﴾ ؛ جمع سريع، وهو حال من ضمير " يَخرجون " أي : مسرعين إلى الداعي ﴿كأنهم إِلى نُصُبٍ﴾، وهو كل ما نُصب وعُبد من دون الله، وفيه السكون والفتح. ﴿يُوفضون﴾ ؛ يُسرعون، ﴿خاشعةً أبصارُهم﴾، ذليلة، لا يرفعونها خوفاً وذِلة، ﴿ترهقهم ذِلةٌ﴾ : يغشاهم هوان شديد، ﴿ذلك﴾ أي : الذي ذكر ما سيقع فيه من الأحوال الهائلة هو ﴿اليومُ الذي كانوا يُوعَدون﴾ في الدنيا، وهم يكذّبون به.
الإشارة : فما لأهل الإنكار والغفلة قِبَلك أيها الداعي مسرعين، يُحبون الخصوصية بلا مجاهدة، أيطمع كل امرىءٍ منهم أن يُدخل جنةَ نعيم الأرواح، وهي جنة المعارف، كلاً، إنّا خلقناهم مما يعلمون من الطينة الأرضية، فلا يطمع أحدٌ في الخصوصية، حتى تستولي روحانيتُه على بشريته، ومعناه على حسه، وتخنس الطينية الطبيعية تحت أنوار
١٤١
الحقيقة القدسية. قال الورتجبي : امتنَّ اللهُ على أوليائه الصادقين أنه يلبغهم إلى جواره ؛ لأنهم خُلقوا من تربة الجنة، وخُلقت أرواحهم من نور الملكوت، وإلى مواضعها ترجع، وللقائه خَلَقَهم، ومن نوره أوجدهم، وإنَّ أهل الخذلان خُلقوا من عالم الشهواني والشيطاني، ومنبعُهما النار، فيدخلون مواضعهم ؛ لأنهم ليسوا من أهل جواره، ونحن لا ننظر إلى ما خلقنا منه من النطفة والطين، ولا نعتبر بهما، نحن نعتبر بالاصطفائية والخاصية في المعرفة، فإنَّ بهما نصل إلى جوار الله تعالى. هـ.


الصفحة التالية
Icon