﴿مما خطيئاتِهم﴾ أي : من أجل خطيئاتهم. " وما " مزيدة للتوكيد والتفخيم، ﴿أُغرقوا﴾ بالطوفان. وتقديم " مما " لبيان أن إغراقهم ودخولهم النار، إنما كان لأجل خطاياهم، لا لسبب آخر، ﴿فأُدْخِلوا ناراً﴾ عظيمة، والمراد : إمّا عذاب القبر ؛ لأنه عقب الإغراق، أو حين كانوا في الماء، فقد رُوي أنهم كانوا يغرقون من جانب، ويُحرقون من جانب. أو : عذاب جهنم، والتعقيب لقربه باعتبار تحقُّق وقوعه. وتنكير " النار " إما لتعظيمها وتهويلها، أو لأنه تعالى أعدّ لهم نوعاً من العذاب على حسب خطيئاته، ﴿فلم يجدوا لهم من دون اللهِ أنصاراً﴾ ينصرونهم ويمنعونهم من عذاب الله، وفيه تعريض بعدم نفع آلهتهم، وعدم قدرتهم على نصرهم. قيل : كان قوم نوح أهل وُسع في الزرق، فطَغوا، وكانوا يؤذون نوحاً، ويحرشون عليه ويضربونه، حتى ربما يغشى عليه، فإذا أفاق قال :" اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ". كما في الحديث.
﴿وقال نوحٌ رَبِّ لا تَذّرْ على الأرض من الكافرين ديَّاراً﴾ أي : أحداً يدور في الأرض، وهو " فَيْعَالٌ " من الدّورِ، وهو من الأسماء المستعلمة في النفي العام، يقالك ما بالديار ديَّار وديّور، كقيّام وقيوم، أي : أحد، وأصله : دّيْوار، ففعل به ما فعل بسَيِّد. ﴿إِنك إِن تَذَرْهُم﴾ ولا تهلكهم ﴿يُضلُّوا عبادك﴾ عن طريق الحق، يدعوهم إلى الضلال، ﴿ولا يلدوا إِلاَّ فاجراً كفاراً﴾ أي : إلاّ مَن إذا بلغ جحد وكفر، وإنما قال ذلك ؛ لاستحكام علمه بما يكون منهم
١٥٠
ومن أعقابهم، بعدما خبرهم واستقرأ أحوالهم قريباً من ألف سنة، أو : يكون بعد إخباره تعالى له بقوله :﴿أَنَّهُ لِن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ ءَامَنَ﴾ [هود : ٣٦].
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨


الصفحة التالية
Icon