الإشارة : وقال نوحُ الروح، أي : شكت الروح إلى ربها، وقالت : إنَّ النفس وجنودها عَصَوني، واتبعوا حال المنهمكين في الدنيا، الفانين في أموالهم وأولادهم، فلم يزدهم ذلك إلاّ خساراً، ومكروا بي، حيث راموا مني الميل إليهم، مكراً كُبَّاراً، وقالوا : لا تَذَرُنَّ آلهتكم من الدنانير والدراهم، ولا تَذَرُنَّ ود الدنيا ومحبتها، ولا سُواع الهوى والحظوظ، ولا يغوث الرياسة والجاه، ولا يَعوق العلائق والشواغل، ولا طيور الهواجس والخواطر، يعني : لا تستعملوا ما يُخرجكم عن هذه الأشياء، مِن خرق العوائد، والزهد، والورع، بل أقيموا على تنمية دنياكم، وتوفير هواكم، وقد أضلُّوا كثيراً ممن يقتدي بهم. وقالت أيضاً : لا تزد الظالمين من هؤلاء إلاّ ضلالاً ؛ هلاكها وانقطاعاً. مما خطيئاتهم أُغرقوا في بحر الدنيا، فأُدخلوا نار القطيعة، فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً، وقال نوح الروح أيضاً : لا تَذرْ على أرض البشرية من الكافرين من القواطع التي تقطعني عن السير بظلمتها ديّاراً ممن يدور بها، ويُقوي حسها، إنك إن تذرهم يدورون بها ويقطعونها عن السير، ويُضلوا عبادك عن الوصول إليك، ولا يلدوا منها إلاَّ خاطراً فاجراً كفّاراً. رَبِّ اغفر لي، خطابٌ من الروح ودعاء، ولوالدي من العقل الكلي، والنفس الكلي، وهو الروح الأعظم، ولِمن دخل بيتي، أي : تمسّك بطريقتي، ودخل في زمرتي، ولأرواح المؤمنين والمؤمنات، ولا تزد الظالين الخارجين عن طريقتي إلاَّ تباراً. وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه، وسلّم.
١٥١
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٨


الصفحة التالية
Icon