يهدي إِلى الرُّشْد} ؛ إلى الحق والصواب، ﴿فآمنّا به﴾ أي : بذلك القرآن، ولمَّا كان الإيمان به إيماناً بالله وتوحيده، وبراءةً من الشرك، قالوا :﴿ولن نُشْرِكَ بربنا أحداً﴾ من خلقه، حسبما نطق به ما فيه من دلائل التوحيد، ويجوز أن يكون الضمير في " به " لله تعالى ؛ لأنَّ قوله :(بربنا) يُفسّره.
﴿وأنه تعالى جَدُّ ربِّنا﴾ أي : ارتفع أو تنَزّه عظمة ربنا، أو سلطانه، أو غناه، يُقال : جَدّ فلان في عيني إذا عَظُم، ومنه قول عمر : كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جَدَّ في عيننا، أي : عظم في عيوننا، ﴿ما اتخذَ صاحبةً﴾ ؛ زوجة ﴿ولا ولداً﴾ كما يقول كفار الجن والإنس، والمعنى : وصفوه بالاستغناء عن الصاحبة والولد ؛ لعظمته وسلطانه، أو لغناه، وقُرىء " جَدًّا " على التمييز، أي : أنه تعالى ربنا جَداً، وقُرىء بكسر الجيم، أي : تنزّه صِدق ربوبيته، وحق إلهيته عن اتخاذ الصاحبة والولد، وذلك أنهم لمَّا سمعوا القرآن، واهتدوا للتوحيد والإيمان، تنبّهوا للخطأ فيما اعتقده كفرة الجن من تشبيهه تعالى بخلقه في اتخاذ الصاحبة والولد، فاستعظموه ونزّهوه تعالى عنه. ﴿وأنه كان يقول سفيهُنا﴾ أي : جاهلنا من مردة الجن، أو إبليس ؛ إذ ليس فوقه سفيه، ﴿على الله شططاً﴾ أي : قولاً ذا شطط، أي : بُعدٍ وجورٍ، وهو الكفر ؛ لبُعده عن الصواب، من : شطت الدار : بَعُدت، أو : قولاً مجاوزاً للحدّ، بعيداً عن القصد، أو هو شطط في نفسه ؛ لفرط بُعده عن الحق، وهو نسبة الصاحبة والولد لله تعالى. والشطط : مجاوزة الحدِّ في الظلم وغيره. ﴿وأنَّا ظننا أن لن تقول الإِنسُ والجنُّ على الله كذباً﴾ أي : قولاً كذباً أو مكذوباً فيه، أي : كان في ظننا أنَّ أحداً لن يكذب على الله بنسبة الصاحبة والولد، فكنا نصدقهم فيما أضافوا إليه حتى تبيّن لنا بالقرآن كذبهم.


الصفحة التالية
Icon