﴿إِن ناشئةَ الليلِ﴾ أي : قيام الليل، مصدر من " نشأ " إذا قام ونهض، على وزن فاعلة، كالعافية العاقبة، أو : إنَّ النفس التي تنشأ مِن مضجعها إلى العبادة، أي : تنهض، أو : إن العبادة التي تنشأ بالليل، أي : تحدث، أو : ساعات الليل ؛ لأنها تنشأ ساعة فساعة، وكان زين العابدين يُصلّي بين العشاءين ويقول : هذه ناشئة الليل. قلت : وهذا وقت كان السلف يحرصون على عمارته بأنواع العبادات ؛ لأنه يمحوا ظلمة النهار التي تُكتسب من شغل الدنيا. ﴿هي أشَدُّ وَطْأً﴾ أي : موافقة للقلب. وقرأ البصري والشامي (وِطاء) أي : وِفاقاً، أي : يوافق فيها القلبُ اللسانَ، وعن الحسن : أشدّ موافقة بين السر والعلانية ؛ لانقطاع رؤية الخلائق وغيرها، أو : أشدّ ثباتَ قَدَم وكلفة، أي : أثقل على المصلي من صلاة النهار ؛ لطرد النوم في وقته، من قوله عليه السلام :" اللهم اشْدُدْ وطْأَتَك على مُضَرَ " ﴿وأقْوَمُ قِيلاً﴾ أي : أصْوب مقالاً، وبه قرأ أنس، فقيل له : إنما هو
١٦٤
أقوم فقال : أقوم وأصوب واحد، وإنما كانت قراءة الليل أصوب قولاً ؛ لقلة خطأ اللسان فيها ؛ لتفرُّغه من ثقل الطعام، وقيل : المعنى : أثبت قراءةً ؛ لحضور القلب ؛ لهدوّ الأصوات، وانقطاع الحركات.
﴿
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٦٣
إِنّ لك في النهار سَبْحاً طويلاً﴾ أي : تصرُّفاً وتقلُّباً في مهمّاتك، واشتغالاً بتعليم أمتك، فتفرّغ بالليل لعبادة ربك. ﴿واذكر أسْمَ ربك﴾ أي : دُم على ذكره في الليل والنهار، على أي وجهٍ، من تسبيح وتهليل وتكبير، وقراءة قرآن، وتدريس علم. ﴿وتبتلْ إِليه﴾ أي : انقطع إلى عبادته عن كل شيءٍ، بمجامع الهمة، واستغراق العزيمة. والتبتُّل : الانقطاع إلى الله تعالى بتأميل الخير منه دون غيره، وقيل : رفض الدنيا وما فيها، والتماس ما عند الله. وأكّده بقوله :﴿تبتيلا﴾ زيادةً في التحريض، مع ما فيه من رعاية الفواصل.