اليوم بين الكفر والمزيد من النِّعم، فلم يزل بعد نزول الآية في نقصان من المال والجاه، وانتكاس، حتى هلك، ﴿إِنه كان لآياتنا﴾ ؛ القرآن ﴿عنيداً﴾ ؛ معانداً جاحداً، وهو تعليل للردع على وجه الاستئناف، كأنّ قائلاً قال : لِمَ لا يُزاد ؟ فقال : إنه عاند آيات المنعِم، مع وضوحها، وكَفَرَ نعمته مع سُبُوغها، وهو مما يوجب حرمانها بالكلية، مع أن ما أوتيه إنما هو استدراج يوجب مزيد العذاب، كما قال تعالى :﴿سأُرهقه صَعوداً﴾ ؛ سأُغشيه بدل ما يطمعه من الجنة عقبة شاقة المصْعد، وهو مثل لِما يلقى من العذاب الصعب الذي لا يُطاق، وفي الحديث :" الصعود : جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفاً، ثم يهوي فيه كذلك أبداً ". ثم علّل استحقاقه لهذا العذاب بقوله :﴿إِنه فَكَّر﴾ ما يقول في شأن القرآن، ﴿وقَدَّر﴾ في نفسه ما يقوله وهياه، كأنه تعالى عاجله بالفقر والذل بعد الغنى والعز، لعناده، ويُعاقبه في الآخرة بأشد العذاب، لبلوغه بالعناد غايته، حيث قال في كلامه تعالى المعجِز : سحراً، وفي رسوله عليه السلام : ساحراً، ﴿فقُتل﴾ أي : لُعن ﴿كيف قَدَّر ثم قُتل كيف قَدَّر﴾ ؟ كرّر للتأكيد، و " ثم " للإشعار بأنَّ الدعاء الثاني أبلغ، وقيل : هو تعجيب من تقديره وإصابته فيه الغرض الذي كان ينتحيه قريش، قاتلهم الله، كما يقال : قاتله الله ما أشجعه، وأخزاه الله ما أشعره! رُوي أنه سمع النبي ﷺ يقرأ " حم " غافر، أو فُصلت، ثم رجع إلى بني مخزوم، فقال : والله لقد سمعتُ من محمد كلاماً ما هو من كلام الإنس، ولا من كلام الجن، وإنَّ له لحلاوة، وإنَّ عليه لَطلاوة، وإنَّ أعلاه لمُثمر، وإنَّ أسفله لمُغدق، وإنه يعلو ولا يُعلى عليه، فقالت قريش : صبأ والله الوليد، لتَصْبُوَنّ قريش كلها، فقال ابن أخيه أو جهل : أنا أكفيكموه، فانطلق إليه حزيناً، فقال له : ما لي أراك حزيناً ؟ فقال : وما لي لا أحزن، وهذه قريش يجمعون لك نفقة يعينونك على كِبر سنك، يزعمون أنك