وعطف على ﴿يستيقن﴾ ايضاً قولَه :﴿ولِيقولَ الذين في قلوبهم مرض﴾ ؛ شك ؛ لأنَّ أهل مكة كان أكثرهم شاكين، أو : نِفاق، فيكون إخباراً بما سيكون بالمدينة بعد الهجرة، ﴿والكافرون﴾ ؛ المشركون بمكة، المُصرُّون على الكفر :﴿ماذا أراد اللهُ بهذا مثلاً﴾ ؟ أي : أيُّ شيءٍ أراد بهذا العدد المستغرَب استغراب المثل ؟ وقيل : لمّا استبعدوه حسبوا أنه مَثَل مكذوب، أو : أيُّ حكمة في جعل الملائكة تسعة عشر، لا أكثر أو أقل ؟ وإيراد قولهم هذا بالتعليل، مع كونه من باب فتنتهم ؛ للإشعار باستقلاله بالبشاعة. و " مثلاُ " : تمييز، أو حال، كقوله :﴿هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ لَكُمْ ءَايَةً﴾ [الأعراف : ٧٣]. ﴿كذلك يُضل اللهُ مَن يشاء ويهدي مَن يشاء﴾ أي : مثل ذلك الضلال وتلك الهداية يُضل الله مَن يشاء إضلاله، بصرف اختياره إلى جانب الضلال عند مشاهدته لآيات الله الناطقة بالحق،
١٧٩
ويهدي مَن يشاء هدايته بصرف اختياره عند مشاهدته تلك الآيات إلى جانب الهُدى، فمحل الكاف النصب على أنها صفة لمصدر محذوف، أي : يُضل مَن يشاء ويهدي مَن يشاء، إضلالاً وهدايةً كائنين مثل ما ذكر من الإضلال والهداية.
﴿وما يعلمُ جنودَ ربك﴾ أي : جموع خلقه، التي من جملتها الملائكة المذكورون، ﴿إلاّ هو﴾، إذ لا سبيل لأحد إلى حصر مخلوقاته، والوقوف على حقائقها وصفتها، ولو إجمالاً، فضلاً عن الاطلاع على تفاصيل أحوالها، من كَم وكيف ونسبة، فلا يَعِز عليه جعلُ الخزنة أكثر مما هو عليه، ولكن في هذا العدد الخاص حكمة لا تعلمونها، ﴿وما هي إِلاّ ذِكرَى للبشر﴾ هذا متصل بوصف سقر، أي : ما سقر وصفتها إلاّ تذكرة للبشر ؛ لينزجروا عن القبائح.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٧٨