قالوا} أي : المجرمين مجيبين للسائلين :﴿لم نكُ من المصلِّين﴾ للصلوات الواجبة، ﴿ولم نك نُطعم المسكين﴾ كما يُطعم المسلمون، وفيه دلالة على أنّ الكفار مخاطبون بالفروع في حق المؤاخذة، ﴿وكنا نخوض مع الخائضين﴾ أي : نشرع في الباطل مع الشارعين فيه، فنقول الباطل والزور في آيات الله، ﴿وكنا نُكذِّب بيوم الدين﴾ ؛ بيوم الجزاء والحساب. وتأخير ذكر جنايتهم هذه مع كونها أعظم من الكل ؛ لتفخيمها، كأنهم قالوا : وكنا بعد ذلك مكذِّبين بيوم الدين، ولبيان كون تكذيبهم به مقارناً لسائر جناياتهم المعدودة مستمراً إلى آخر عمرهم، حسبما نطق به قوله تعالى :﴿حتى أتانا اليقينُ﴾ ؛ الموت ومقدماته، ﴿فما تنفعهم شفاعةُ الشافعين﴾ من الملائكة والنبيين والأولياء والصالحين، لأنها خاصة بالمؤمنين، وفيه دلالة على ثبوت الشفاعة للمؤمنين، وفي الحديث :" إن من أمتي مَن يدخل الجنة بشفاعته أكثر من ربيعة ومضر ". ﴿فما لهم عن الذكرةِ﴾ ؛ عن التذكير والوعظ بالقرآن ﴿معرِضين﴾ ؛ مولّين، والفاء لترتيب ما قبلها من موجبات الإقبال عليه، والاتعاظ به من سوء حال المعرضين، و " معرضين " : حال من الضمير الواقع خبراً لـ " ما " الاستفهامية، كقولك : ما لك قائماً ؟ أي : فإذا كان حال المكذّبين به على ما ذكر من سوء الحال. فإيُّ شيء حصل لكم حال كونكم معرضين عن القرآن، مع تعاضد الدواعي إلى الإيمان ؟ ﴿كأنهم حُمُرٌ﴾ ؛ أي حُمر الوحش
١٨٢
﴿مُستنفِرَةٌ﴾ ؛ شديدة النفار، كأنها تطلب النفار من نفوسها. وقرأ نافع والشامي بفتح الفاء، أي : استنفرها غيرُها، وجملة التشبيه حال من ضمير " معرضين " أي : مشبّهين بحُمر نافرة ﴿فرّتْ من قسورة﴾ أي : من أسد، فَعْولة من القَسر، وهو القهر، وقيل : هي جماعة الرماة الذين يصطادونها، شُبِّهوا في إعراضهم عن القرآن، واستماع ما فيه من المواعظ، وشرودهم عنه بحُمر حدث في نفارها ما أفزعها. وفيه مِن ذمهم وتهجين حالهم من تشبيههم بالحُمر ما لا يخفى.


الصفحة التالية
Icon