أَوْلَى لك فأَوْلَى} أي : ويل لك، وأصله : أولاك الله ما تكره، واللام مزيدة، كما في قوله :﴿رَدِفَ لَكُم﴾ [النمل : ٧٢] أو : أولى الهلاك لك فأولى، وقيل : هو مقلوب من الويل، وقيل : أولى بالعذاب وأحق به، وقيل : من الوَلى، وهو القرب، أي : قاربه ما يهلكه. ﴿ثم أَوْلَى لك فأَوْلَى﴾، كرر للتأكيد، كأنه قيل : ويل لك فويل لك ثم ويل لك فويل لك، وقيل : التكرير فيه، لأنه أراد بالأول : الهلاك الدنيوي وفي القبر والبرزخ، ثم في القيامة، ثم في النار. ﴿أيَحْسَبُ الإِنسانُ أن يُترك سُدىً﴾ ؛ أيظن الكافرُ أن يُترك مُهْمَلاً، لا يُؤمر ولا يُنهى ولا يُبعث ولا يُجازَى، ﴿ألم يكُ نطفة مِن مَنِيٍّ تُمنى﴾ ؟ أي : تُراق في الأرحام، ﴿ثم كان علقةً﴾ أي : صار المَنِي قطعة دم جامد، بعد أربعين يوماً ﴿فخَلَقَ فسَوّى﴾ أي : فخلق الله منها بشراً سويًّا ؟ ﴿فجعل منه﴾ ؛ من الإنسان، أو : من المَنِي ﴿الزوجين﴾ ؛ الصنفين ﴿الذكرَ والأُنثى﴾ لحكمه بقاء النسل، ﴿أليس ذلك بقادرٍ على أن يُحيي الموتى﴾ وهو أهون من البدء في قياس العقول ؟ كان عليه السلام إذا قرأها يقول :" سبحانك! بلى ".
١٩١
الإشارة : قال في الإحياء : اعلم أنَّ رأس الخطايا والمهِلكة هو حب الدنيا، ورأس أسباب النجاة هو : التجافي بالقلب عن دار الغرور. ثم قال : واعلم أنه لا وصول إلى سعادة لقاء الله في الآخرة إلاَّ بتحصيل محبته والأنس به في الدنيا، ولا تحصل المحبة إلاَّ بالمعرفة، ولا تحصل المعرفة إلاَّ بدوام الفكر، ولا يحصل الأنس إلاَّ بالمحبة ودوام الذكر، ولا تتيسَّر المواظبة على الذكر إلاَّ بإقلاع حب الدنيا من القلب، ولا يقع ذلك إلاّ بترك لذات الدنيا وشهواتها، ولا يمكن ترك المشتهيات إلا بقمع الشهوات، ولا تنقمع الشهوات بشيءٍ كما تنقمع بنار الخوف المحرقة للشهوات. هـ. على نقل صاحب الجواهر.