﴿إِنَّ الأبرارَ﴾ جمع بر وبار، كرب وأرباب، وشاهد وأشهاد، وهو مَن يبر خالقه، أي : يُطيعه، وقيل : الأبرار هم الصادقون في الإيمان، أو : الذين لا يؤذون الذر، ولا يعمدون الشر. ﴿يشربون من كأس﴾ وهو الزجاجة إذا كان فيها خمر، ويُطلق على نفس الخمر، فـ " مِن " على الأول ابتدائية، وعلى الثاني تبعيضية، ﴿كان مِزاجُها﴾ أي : ما تمزج به ﴿كافوراً﴾ أي : ماءٌ كافورٌ، وهو عين في الجنة، ماؤها في بياض الكافور ورائحتِه وبردِه. وفي القاموس : الكافور : نبت طيب، نَوره كنَور الأُقحوان، وطِيب معروف، يكون
١٩٥
من شجر بجبال بحر الهند والصين، يُظل خلقاً كثيراً، وتألفه النمور، وخشبه أبيض هش، ويوجد في أجوافه الكافور، وهو أنواع، ولونها أحمر، وإنما يبيّض بالتصعيد، والتصعيد : الإذابة. هـ. وقوله تعالى :﴿عيناً﴾ : بدل من " كافور "، وعن قتادة : تمزج لهم بالكافور، وتختم لهم بالمسك، وقيل : يخلق فيها رائحة الكافور وبياضه ويرده، فكأنها مزجت بالكافور، وهذا أنسب بأحوال الجنة، فـ " عيناً " على هذين القولين : بدل من محل (من كأس) على حذف مضاف، أي : يشربون خمر عين، أو : نصب على الاختصاص، وقوله تعالى :﴿يشرب بها عبادُ الله﴾ : صفة لعين، أي : يشربون منها، أو : الباء زائدة، ويعضده قراءة ابن أبي عبلة :" يشربها "، أو : هو محمول على المعنى، أي : يتلذذون بها، أو يروون بها، وإنما عبّر أولاً بحرف " من " وثانياً بحرف الباء ؛ لأنَّ الكأس مبتداً شرابهم وأول غايته، وأمّا العين فيها يمزجون شرابهم. قاله النسفي. وقيل : الضمير للكأس، أي : يشربون العين بتلك الكأس، ﴿يُفجِّرُونها تفجيراً﴾ أي : يُجْرُونَها حيث شاؤوا من منازلهم إجراءاً سهلاً، لا يمتنع عليهم، بل يجري جرياً بقوة واندفاع.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٩٥