يُوفُون بالنَّدْرٍ} بما أَوجبوا على أنفسهم من الطاعات، وهو استئناف مسوق لبيان ما لأجله رُزقوا ما ذكر من النعيم، كأنه قيل : ماذا كانوا يفعلون حتى نالوا تلك الرتبة العالية ؟ فقال : يُوفون بما أوجبوا على أنفسهم، فكيف بما أوجبه اللهُ عليهم ؟ ﴿ويخافون يوماً كان شَرُّه﴾ ؛ شدائده أو عذابه ﴿مُسْتَطِيراً﴾ ؛ منتشراً فاشياً في أقطار الأرض غاية الانتشار، من : استطار الفجر : انتشر. ﴿ويُطعِمون الطعامَ على حُبه﴾ أي : كائنين على حب الطعام والحاجة إليه، كقوله تعالى :﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران : ٩٢] أو : على حب الإطعام، بأن يكون ذلك بطيب النفس، أو : على حب الله، وهو الأنسب بقوله :﴿لوجه الله﴾، ﴿مسكيناً﴾ ؛ فقيراً عاجزاً عن الاكتساب، أسكنه الفقرُ في بيته، ﴿ويتيماً﴾ ؛ صغيراً لا أب له، ﴿وأسيراً﴾ أي : مأسوراً كافراً. كان عليه السلام يؤتى بالأسير، فيدفعه إلى بعض المسلمين، فيقول له :" أحسِن إليه " أو : أسيراً مؤمناً، فيدخل فيه المملوك والمسجون، وقد سمى رسولُ الله ﷺ الغريم أسيراً فقال :" غريمك أسيرك فأحسن إلى أسيرك ". ثم علّلوا إطعامهم فقالوا :﴿إِنما نُطعمكم لوجه الله﴾ أي : لطلب ثوابه، أو : هو بيان من الله تعالى عما في ضمائرهم من الإخلاص، لأنَّ الله تعالى عَلِمه منهم، فأثنى عليهم وإن لم يقولوا شيئاً، وفيه نظر ؛ إذ لو كان كذلك لقال :" يطعمهم " بضمير الغيب، فالجملة على الأول محكية بقول محذوف، حال من فاعل " يُطعمون " أي : قائلين بلسان الحال أو المقال ؛ لإزاحة توهم المنّ المبطل للصدقة، وتوقع المكافآت المنقصة للأجر :﴿إنما نُطعمكم...﴾ الخ. وعن الصدّيقة ـ رضي الله عنها ـ كانت تبعث بالصدقة، ثم تسأل الرسولَ ما قالوا، فإذا ذكر دعاءهم دعت لهم بمثله، ليبقى لها ثواب الصدقة خالصاً. {لا
١٩٦


الصفحة التالية
Icon