يقول الحق جلّ جلاله للكفرة المكذِّبين :﴿انطلِقوا﴾ أي : سيروا ﴿إِلى ما كنتم به تُكَذِّبون﴾ من النار المؤبَدة عليكم، ﴿انطلقوا إِلى ظِلًّ﴾ ؛ دخان جهنم ﴿ذي ثَلاثٍ شُعَبٍ﴾، يتشعّب لِعظَمه ثلاث شعب، كما هو شأن الدخال العظيم، تراه يتفرّق ذوائب، وقيل : يخرج لسان من النار يحيط بالكفار كالسرداق، ويتشعّب من دخانها ثلاث شُعب، فتُظلم حتى يفرغ من حسابهم، والمؤمنون في ظل العرش. قيل : الحكمة في خصوصية الثلاث : أن حجاب النفس عن أنوار القدس ثلاث، الحس والخيال والوهم، وقيل : إنّ المؤدِّي إلى هذا العذاب هو القوة الوهمية الشيطانية، الحالة في الدماغ، والقوة الغضبية التي عن يمين القلب، والقوة الشهوانية البهيمية التي عن يساره، ولذلك قيل : تقف شُعبة فوق الكافر، وشُعبة عن يمينه، وشُعبة عن يساره.
ثم وصف ذلك الظل بقوله :﴿لا ظليلٍ﴾ أي : لا مُظِلّ من حرّ ذلك اليوم أو من حرّ النار، ﴿ولا يُغنِي من اللهب﴾ أي : وغير مغنٍ عن حر اللهب شيئاً لعدم البرودة فيه، وهذا كقوله :﴿وَظِلٍ مِن يَحْمُومٍ لاَّ بَارٍدٍ َولآ كَرِيمٍ﴾ [الواقعة : ٤٣، ٤٤]، ﴿إِنها ترمي بشَرَرٍ﴾ وهو ما تطاير من النار ﴿كالقَصْرِ﴾ في العِظم، أي : كل شررة كقصر من القصور في العِظم. وقيل : هو الغليظ من الشجر، الواحدة : قَصْرةٌ، كجمْر وجمرة، ﴿كأنه جمالاتٌ﴾ جمع جَمَلَ. وقرأ أهل الكوفة، غير شعبة " جِمَالةٌ " وهو أيضاً جمع جَمَل، وجمالات جمع الجمع. ﴿صُفرٌ﴾ فإنَّ الشرار لِما فيه من النار يكون أصفر، وقيل : سود ؛ لأنَّ سواد الإبل يضرب إلى الصفرة، والأول تشبيه لها في العِظم، وهذا في اللون والكثرة والتتابع والاختلاط. وقيل : الضمير في " إنه " يعود إلى القصر، فيذهب به إلى تصوير عجيب وتطوير غريب. شبهت الشرارة حين تنقض من النار في العظم بالقصر، ثم شبّه القصر
٢١٠