﴿وجعلنا نَومكم سُباتاً﴾ أي : راحة لكم، أو : قطعاً للأعمال والتصرُّف، فتريحون أبدانكم به من التعب. والسبْت : القطع. أو : موتاً ؛ لِما بينهما من المشاكلة التامة في انقطاع أحكام الحياة، وعليه قوله تعالى :﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِالَّيْلِ﴾ [الأنعام : ٦٠] وقوله :﴿اللهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾ [الزمر : ٤٢].
٢١٦
﴿وجعلنا الليلَ لباساً﴾ يستركم بظلامه، كما يستركم اللباس، شبّهه بالثياب التي تلبس، لأنه يستر عن العيون، وقيل : المراد به ما يستتر به عند النوم من اللحاف ونحوه. ﴿وجلعنا النهارَ معاشاً﴾ أي : وقت حياة تتمعشون فيه من نومكم، الذي هو أخو الموت، كقوله :﴿وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً﴾ [الفرقان : ٤٧] أي : تنتشرون فيه من نومكم، أو تطلبون فيه معاشكم، وتتقلبون في حوائجكم، على حذف مضاف، أي : ذا معاش.
﴿
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢١٦
وبنينا فوقكم سَبْعاً شِداداً﴾ أي : سبع سموات، قوية الخلق، محكمة البناء، لا يؤثّر فيها مرّ الدهور، ولا المرور والكرور. والتعبير عنها بالبناء مبني على تنزيلها منزلة القبة المضروبة على الخلق، وهو يؤيد كونها الأفلاك المحيطة. ﴿وجعلنا﴾ فيها ﴿سِراجاً وهَّاجاً﴾ أي : مضيئاً وقّاداً، أي : جامعاً للنور والحرارة، وهو الشمس، والوهَّاج : الوقّاد المتلألىء، من : وهجت النار إذا أضاءت، أو البالغ في الحرارة، من : الوهج، وهو الحر. والتعبير عنها بالسراج مناسب للتعبير عن السموات بالبناء، فالدنيا بيت وسراجه الشمس بالنهار والقمر والنجوم بالليل. والجعل هنا بمعنى الإنشاء والإبداع، كالخلق، غير أنَّ الجعل مختص بالإنشاء التكويني، وفيه معنى التقدير والتسوية.