يقول الحق جلّ جلاله :﴿إِنَّ يومَ الفَصْلِ﴾ بين الخلائق، فيتميز المحسن من المسيء، والمحقّ من المبطل، ﴿كان﴾ في علم الله تعالى وتقديره ﴿ميقاتاً﴾ ؛ وقتاً محدوداً، ومُنتهى معلوماً لوقوع الجزاء، أو : ميعاداً لجمع الأولين والآخرين، وما يترتب عليه من الجزاء ثواباً وعقاباً، لا يكاد يتخطاه بالتقدُّم ولا بالتأخُّر، وهو ﴿يوم ينفخ في الصور﴾ نفخة ثانية، فـ " يوم " بدل من " يوم الفصل "، أو عطف بيان له، مفيد لزيادة تخفيمه وتهويله في تأخير الفصل، فإنه زمان ممتد، في مبدئه النفحة، وفي بقيته الفصل وآثاره. والصُور : القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال :" لمّا خلق الله السموات والأرض خلق الصور، فأعطاه إسرافيل، فهو واضع له على فيه، شاخص ببصره إلى العرش، حتى يؤمر بالنفخ فيه، فيؤمر به، فينفخ نفخةً لا يبقى عندها في الحياة غير ما شاء الله، وذلك قوله تعالى :﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّماواتِ...﴾ [الزمر : ٦٨] الآية، ثم يؤمر بأخرى، فينفخ نفخه لا يبقى معها ميت إلاَّ بُعث وقام، وذلك قوله تعالى :﴿ثُمََّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ﴾ [الزمر : ٦٨]. " والفاء في قوله تعالى :﴿فتأتون﴾ فصيحة تفصح عن جملة حُذفت ثقةً بدلالة الحال عليها، وإيذاناً بغاية سرعة الإتيان، كما في قوله تعالى :﴿أّنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَـانفَلَقَ﴾ [الشعراء : ٦٣] أي : فتبعثون من قبوركم فتأتون عقب ذلك من غير لبث ﴿أفواجاً﴾ ؛ جماعات مختلفة الأحوال، متباينة، الأوضاع، حسب اختلاف أعمالكم وتباينها، مِن راكب، وطائر، وماش خفيف وثقيل، ومكب على وجهه، وغير ذلك من الأحوال العظيمة، أو : أمماً، كل أمة مع رسولها، كما في قوله تعالى :﴿يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُناَسِ بِإِمَامِهْم﴾ [الكهف : ٤٧].
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢١٨