﴿لقد كان لكم فيهم﴾ ؛ في إبراهيم ومَن معه ﴿أُسوةٌ حسنةً﴾، تكرير للمبالغة في الحث على الاقتداء به، ولذلك صدّره بالقسم. وقوله :﴿لمَن كان يرجو اللهَ واليومَ الآخر﴾ بدل من " لكم "، وحكمته : الإيذان بأن مَن يؤمن بالله واليوم الآخر لا يترك الاقتداء بهم، وأنّ تركه مخلّ بالإيمان بهما، كما ينبىء عنه قوله تعالى :﴿ومَن يتولَّ فإِنَّ اللهَ هو الغنيُّ الحميدُ﴾، فإنه إنما يُوعَد بأمثاله الكفرة، أي : هو الغني عن الخلق، الحميد المستحق للحمد وحده.
٢٣
الإشارة : ينبغي للمريد أن يكون إبراهيميًّا، يتبرأ من كل ما يشغله عن الله، أيًّا مَن كان، ويظهر العداوة والبغضاء لكل مَن يقطعه عن مولاه، حتى يوافقه على طريقه وسيرته، إلاّ على وجه النصيحة والدعاء إلى الله، إن كان أهلاً لذلك، فيُذكِّر مَن خالفه في طريقه، فإن أيس منه استغفر له، ودعا له بالهداية، مُقرًّا بالعجز عن هدايته وتوفيقه، ثم يلتجىء إلى مولاه في جميع أموره، ويتحصّن بالله من فتنة أهل الظلم والغفلة. والله غالب على أمره.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢
يقول الحق جلّ جلاله :﴿عسى اللهُ أن يجعلَ بينكم وبين الذين عادَيْتم منهم﴾ ؛ من أقاربكم المشركين، ﴿مودةً﴾ بأن يُوافقوكم في الدين. وَعَدهم بذلك لما رأى منهم من التصلُّب في الدين، والتشديد في معاداة أقربائهم، تطييباً لقلوبهم، ولقد أنجز وَعْدَه الكريم، فأسْلَم كثير منهم يوم فتح مكة، فتصافوا، وتوادوا، وصاروا أولياء وإخواناً، وخالَطوهم وناكَحوهم. و " عسى " من الله واجبة الوقوع. ﴿واللهُ قديرٌ﴾ أي : مبالغ في القدرة على تغيير الأحوال وتسهيل أسباب المودة، ﴿واللهُ غفور رحيم﴾، فيغفر لمَن أسلم من المؤمنين ويرحمهم، أو : غفور لما فَرَط منكم من مولاتهم قبلُ، وما بقي في قلوبكم من ميل الطبع إلى الرحم بعدُ، رحيم لمَن لم تبقَ فيه بقية.


الصفحة التالية
Icon