الإشارة : عسى الله أن يجعل بينكم وبين نفوسكم، التي عاديتموها وخالفتموها، وقطعتم مواد هواها، مودةً، حين تتهذّب وتتأدّب وترتاض بالمجاهدة، فالواجب حينئذ البرور بها، والإحسان إليها، لأنها انقلبت روحانية، تصطاد بها العلوم اللدنية، والمعارف الربانية، وفيها يقول شيخ شيوخنا، سيدي عبد الرحمن المجذوب رضي الله عنه :
سايس من النفس جهدك
صبّح ومس عليها
لعلها تدخل في يدك
تعود تصطاد بها
فالآية تسلية وترجية لأهل المجاهدة من السائرين دون الواصلين ؛ فإنّ المجاهدة لا تكون إلاّ قبل المشاهدة، أو : تكون تسلية لهم عند مقاطعة أقاربهم وعشائرهم، حين فرُّوا عنهم لله، بأن يهديهم الله، حتى يوافقوهم على طريقهم. وبالله التوفيق.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٣
يقول الحق جلّ جلاله :﴿لا ينهاكم اللهُ عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يُخرجوكم من دياركم أن تَبروهم﴾ أي : لا ينهاكم عن البر بهؤلاء، فـ " أن تبروهم " : بدل من الموصول، ﴿وتُقْسِطوا إِليهم﴾ أي : تقضوا إليهم بالقسط، أي : بالعدل، ولا تظلموهم، وإذا نهى عن الظلم في حق المشرك، فكيف في حق المسلم ؟ ﴿إِن اللهَ يُحب المُقسِطين﴾ ؛ الحاكمين بالعدل، رُوِي أن " قُتَيلةَ بنت عبد العزى " قَدِمَتْ مشركة على بنتها " أسماء بنت أبي بكر " رضي الله عنه، بهدايا، فلم تقبلها، ولم تأذن لها بالدخول فنزلت، وأمرها رسولُ الله ﷺ أن تقبل منها، وتُكرمها، وتُحسن إليها. وقيل : المراد بهم خزاعة، وكانوا صالحوا رسولَ الله ﷺ ألاّ يقاتلوه، ولا يُعينوا عليه. قال المحلي : وهذا قبل الأمر بجهادهم. ومثله لابن عطية، فإنه نقل الخلاف، ثم قال : وعلى أنها في الكفار فالآية منسوخة بالقتال. هـ.