يقول الحق جلّ جلاله :﴿هل أتاك حديثُ موسى﴾، تشويقاً لما يُلقى إليه مِن خبره، أي : هل أتاك حديثه، أنا أُخبرك به، إن كان هذا أول ما أتاه من حديثه. وإن كان تقدّم قبل هذا حديثه، وهو المتبادر، فالمعنى : أليس قد آتاك حديثه. وقوله :﴿إِذْ ناداه رَبُّه﴾ : ظرف للحديث لا للإتيان، لاختلاف وقتهما، أي : هل وصلك حديثه ناداه ربه ﴿بالوادِ المقدّس﴾ ؛ المبارك المطهّر، اسمه :﴿طُوى﴾ بالصرف وعدمه. فقال في ندائه له :﴿اذهبْ إِلى فرعون إِنه طَغَى﴾ ؛ تجاوز الحدّ في الكفر والطغيان، ﴿فقلْ﴾ له بعد أن تأتيه :﴿هل لك إِلى أن تزكَّى﴾ أي : هل لك رغبة وتَوَجُّه إلى التزكية والتطهير من دنس الكفر والطغيان بالطاعة والإيمان. قال ابن عطية :" هل " هو استدعاء حسن. قال الكواشي : يقال : هل لك في كذا ؟ وهل لك إلى كذا ؟ كقولك : هل ترغب في كذا، وهل ترغب إلى كذا. قال : وأخبر تعالى أنه أمر موسى بإبلاغ الرسالة إلى فرعون بصيغة الاستفهام والعرض، ليكون أصغى لأذنه، وأوعى لقلبه، لِما له عليه من حق التربية. هـ. وأصله :" تتزكى "، فحذف إحدى التاءين، أو : أدغمت، فيمن شدّد الزاي.
﴿وأهْدِيَكَ إِلى ربك﴾ ؛ وأهديك إلى معرفته، بذكر دلائل توحيده وصفات ذاته، ﴿فتخشَى﴾، لأنَّ الخشية لا تكون إلاَّ مع المعرفة، قال تعالى :﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَـاؤُاْ﴾ [فاطر : ٢٨] أي : العلماء بالله. وقال بعض الحكماء : اعرفوا الله، فمَن عرف الله لم يقدر أن يعصيه طرفةَ عين. فالخشية ملاك الأمر، فمَن خشي الله أتى منه كل خير، ومَن أَمِنَ اجترأ على كل شر. ومنه الحديث :" مَن خشي أدلج، ومَن أدلج بلغ المنزل " قال النسفي : بدأ مخاطبته بالاستفهام، الذي معناه العرض، كما يقول الرجل لضيفه : هل لك أن تنزل بنا ؟ وأردفه الكلامَ الرقيق، ليستدعيه باللطف في القول، ويستنزله بالمداراة من عتوّه، كما أمر بذلك في قوله :﴿فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِِّناً﴾ [طه : ٤٤] هـ.


الصفحة التالية
Icon