جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٨
فأراه الآيةَ الكبرى}، الفاء : فصيحة تفصح عن جملة قد طويت تعويلاً على تفصيلها في السور الأخرى، فإنه عليه السلام ما أراه إياها عقب هذا الأمر، بل بعدما جرى بينه وبينه من المحاورات إلى أن قال :﴿إِن كُنتَ جِئْتَ بِئَايَةٍ فَأْتِ﴾ [الأعراف : ١٠٦]. والآية الكبرى : العصا، أو : هي واليد، لأنهما في حكم آية واحدة. ونسبتُها إليه عليه السلام بالنسبة إلى الظاهر، كما أنّ نسبتها إلى نون العظمة في قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ أَرَيْنَـاهُ ءَايَـاتِنَا كُلَّهَا﴾ [طه : ٥٦] بالنظر إلى الحقيقة ﴿فكذَّب وعَصَى﴾ أي : كذَّب موسى عليه السلام. وسمَّى معجزته سحراً، وعصى اللهَ عزّ وجل بالتمرُّد، بعدما عَلِمَ صحة
٢٢٩
الأمر ووجوب الطاعة، أشد العصيان وأقبحه، حيث اجترأ على إنكار وجود رب العالمين رأساً. وكان اللعين وقومه مأمورين بعبادته عزّ وجل، وترك القولة العظيمة التي يدّعيها الطاغية، ويقبلها منه الفئة الباغية، لا بإرسال بني إسرائيل من الأسر فقط. قاله أبو السعود.
﴿ثم أّدْبَر﴾ أي : تولَّى عن الطاعة، أو : انصرف عن المجلس ﴿يسعَى﴾ في معارضة الآية، أو : أدبر هارباً من الثعبان، فإنه رُوي أنه عليه السلام لمّا ألقى العصا انقلب ثعباناً أشعر، فاغراً فاه، بين لحييه ثمانون ذرعاً، فوضع لحيه الأسفل على الأرض، والأعلى على القصر، فتوجه نحو فرعون، فهرب وأحدث، وانهزم الناس مزدحمين، فمات منهم خمسة وعشرون ألفاً من قومه وقيل : إنها ارتفعت في السماء قدر ميل، ثم انحطت مقبلة نحو فرعون، وجعلت تقول : يا موسى مُرني بما شئت، وجعل فرعون يقول : بالذي أرسلك إلاّ أخذته، فأخذه فعاد عصا..