﴿فحشَرَ﴾ أي : فجمع السحرة، كقوله :﴿فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ﴾ [الشعراء : ٥٣] أو : جمع الناس، ﴿فنادَى﴾ في المقام الذي اجتمعوا فيه، قيل : قام خطيباً، ﴿فقال أنا ربكم الأعلَى﴾ لا رب فوقي، وكان لهم أصنام يعبدونها. وهذه العظيمة لم يجترىء عليها أحد قبله. قال ابن عطية : وذلك نهاية في المخارقة، ونحوُها باقٍ في ملوك مصر وأتباعهم. هـ. قيل : إنما قال ذلك ابنُ عطية لأنَّ ملك مصر في زمانه كان إسماعيليًّا، وهو مذهب يعتقدون فيه إلهية ملوكهم. وكان أول مَن ملكها منهم : المعتز بن المنصور بن القاسم بن المهدي عبيد الله، وآخرهم العاضد. وقد طهَّر الله مصر من هذا المذهب، بظهور الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب بن شاذا رحمه الله وجزاه عن الإسلام خيراً. هـ. من الحاشية.
﴿
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٨
فأخَذَه اللهُ نكال الآخرةِ والأُولى﴾ بالإغراق، فالنكال : مصدر بمعنى التنكيل، كالسلام بمعنى التسليم، وهو التعذيب الذي ينكل مَن رآه أو سمعه، ويمنعه من تعاطي ما يُفضي إليه. وهو منصوب على أنه مصدر مؤكد، كوعْدَ الله وصبغةَ الله، وقيل : مصدر لـ " أخذ "، أي : أخذه الله أخذ نكال الآخرة، وقيل : مفعول من أجله، أي : أخذه الله لأجل نكال الآخرة. وإضافته إلى الدارين باعتبار وقوع بعض الأخذ فيهما، لا باعتبار أنَّ ما فيه من المنع والزجر يكون فيهما، فإنَّ ذلك لا يتصور في الآخرة، بل في الدنيا، فإنَّ العقوبة الأخروية تنكل مَن يسمعها، وتمنعه من تعاطي ما يؤدي إليها لا محالة. وقيل : المراد بالآخرة والأولى : قوله :﴿أنا ربكم الأعلى﴾ وقوله :﴿مَا عَلِمْتُ لَكُم مِنْ إِلَـاهٍ غَيْرِى﴾ [القصص : ٣٨]. قيل : كان بين الكلمتين أربعون سنة، فالإضافة إضافة المسبب إلى السبب.
﴿إِنَّ في ذلك﴾ أي : فيما ذكره من قصة فرعون وما فعل به ﴿لَعِبرةً﴾ عظيمة ﴿لِمن﴾ شأنه أن ﴿يَخْشَى﴾ وهو مَن عرف الله تعالى وسطوته.