٢٣٠
الإشارة : جعل القشيري موسى إشارة إلى القلب، وفرعون إشارة إلى النفس، فيُقال : هل أتاك حديث القلب حين ناداه ربه بالحضرة المقدسة، بعد طي الأكوان عن مرآة نظره، فقال له : اذهب إلى فرعون النفس إنه طغى. وطغيانها : إرادتها العلو والاستظهار، فقل له : هل لك إلى أن تَزَكَّى وتتطهر من الخبائث، لتدخل الحضرة، فأَهديك إلى معرفة ربك فتخشى، فإنما يخشى اللهَ مَن عرفه. فأراه الآية الكبرى مِن خرق العوائد ومخالفة الهوى، فكَذَّب وعصى، حين رأى عزم القلب على مجاهدته، فحشر جنوده مِن حب الدنيا والرئاسة، وإقبال الناس والحظوظ والشهوات، فنادى، فقال : أنا ربكم الأعلى، فلا تعبدوا غيري. هذا قول فرعون النفس، فأخذه اللهُ نكال الآخرة والأولى، أي : استولى جند القلب عليه، فأغرقه في قلزوم بحر الفناء والبقاء. إنَّ في ذلك لعبرة لمَن يخشى، ويسلك طريق التزكية، فإنه يصل إلى بحر الأحدية. والله تعالى أعلم بأسرار كتابه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٨
يقول الحق جلّ جلاله : مخاطباً أهلَ مكة، المنكرين للبعث، بناء على صعوبته في زعمهم، وتوبيخاً وتبكيتاً، بعدما بيّن سهولته على قدرته بقوله :﴿فَإِنَّمَا هِي زَجْرَةٌ وَاحدَةٌ﴾ ﴿أأنتم أشدُّ خَلْقاً﴾ أي : أَخَلْقُكم بعد موتكم أشق وأصعب في تقديركم ﴿أم السماءُ﴾ أي : أم خلق السماء على عِظمها وانطوائها على تعاجيب البدائع التي تحار العقول عن ملاحظة أدناها، وهذا كقوله :﴿أَوَلَيْسَ الَذِي خَلَقَ السَّمَـاواتِ وَالأَرْضَ بِقَـادِرٍ عَلَىا أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى﴾ [يَس : ٨١]. ثم بيَّن كيفية خلقها فقال :﴿بناها﴾ أي : الله، وفي عدم ذكر الفاعل، فيه وفيما عطف عليه، من التنبيه على تعينه وتفخيم شأنه عزّ وجل ما لا يخفى.