﴿رَفَعَ سَمْكَها﴾ أي : أعلى سقفها من الأرض، وذهب بها إلى سمت العلوّ مدًّا رفيعاً مسيرة خمسمائة عام ﴿فسوّاها﴾ أي : فعدّلها مستوية ملساء، ليس فيها تفاوت ولا فطور، أو : تممها بما جعل فيها من الكواكب والدراري، وغيرها مما لا يعلمه إلاَّ الخلاَّق العليم، من قولهم : سوَّى فلان أمره : إذا أصلحه.
﴿وأغْطشَ ليلها﴾ أي : أظلمه، ويُقال : غطش الليل وأغطشه الله، كما يُقال : ظلُم وأظلمه الله. ﴿وأخرج ضحاها﴾ أي : أبرز نهارها، عبّر عنه بالضُحى، لأنه أشرف أوقاته وأطيبها، فكان أحق بالذكر في مقام الامتنان. ويجوز أن يكون أضاف الضحى إليها
٢٣١
بواسطة الشمس، أي : أبرز ضوء شمسها. والتعبير بالضُحى لأنه وقت قيام سلطانها وكما إشراقها.
﴿والأرضَ بعد ذلك دحاها﴾ أي : بسطها ومهّدها لسكْنى أهلها وتقلُّبهم في أقطارها، وكانت حين خُلقت كورة غير مدحوةٍ، فدحيت من تحت مكة بعد خلق السماء بألفي عام. ثم فسّر الدحو فقال :﴿أخرج منها ماءها﴾ بتفجير عيونها وإجراء أنهارها، ﴿ومرعاها﴾ ؛ كلأها، وهو ما ترعاه البهائم، وهو في الأصل : موضع الرعي، أو : مصدر ميمي بمعنى المفعول، وتجريد الجملة من العاطف إِمّا لأنها تفسير لدحاها، أو تكملة له، فإنَّ السكنى لا تتأتى لمجرد البسط، بل لا بد من تهيئة أمر المعاش من المأكل والمشرب حتماً، أو : لأنها حال بإضمار " قد " عند الجمهور، أو بدونه عند الكوفيين.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٣١