والجبالَ أرساها} أي : أثبتها وأثبت بها الأرض أن تميد بأهلها، وإرساء الجبال لها من باب الحكمة، وإلاَّ فالقدرة هي الحاملة للكل. وانتصاب الأرض والجبال بفعل يُفسره ما بعده. ولعل تقديم إخراج الماء والمرعى ذكراً مع تقديم الإرساء عليه وجوداً ؛ لإبراز كمال الاعتناء بأمر المأكل والمشرب. وهذا كما ترى يدل بظاهره على تأخر دحو الأرض عن خلق السماء وما فيها، كما يروى عن الحسن : من أنه تعالى خلق الأرض في موضع بيت المقدس، كهيئة الفِهْر، عليه دخان ملزق بها، ثم أصعد الدخان وخلق منه السموات، وأمسك الفِهْرَ في موضعها وبسط منها الأرض، وذلك قوله تعالى :﴿كَانَتَا رَتْقاً...﴾ [الأنبياء : ٣٠]. وفي القاموس : الفِهْرُ بالكسر : الحَجَرُ قَدْرَ ما يدق به الجَوْزُ، أو ما يملأ الكفَّ. هـ.
والتحقيق في المسألة : أنَّ أول ما خلق اللهُ العرش من القبضة النورانية المحمدية، ثم خلق ياقوتة صفراء، فذابت من هيبته تعالى فصارت ماء، ثم اضطرب الماء فعلته زبدة، فخلق منها الأرض، ثم علا منه دخان فخلق منه السماء، ثم دحا الأرض وهيّأ فيها أقواتها للناس والأنعام وغيرهما، كما قال تعالى :﴿متاعاً لكم ولأنعامكم﴾ أي : فجعل ذلك تمتيعاً لكم ولأنعامكم، فهو مفعول لأجله ؛ لأنَّ فائدة البسط والتمهيد وإخراج الماء والمرعى واصلة للإنسان والأنعام، أو : مصدر من غير لفظه، فإنَّ قوله تعالى :﴿أخرج منها ماءها ومرعاها﴾ في معنى : متّعكم بذلك.


الصفحة التالية
Icon