ولم يُواجهه ـ تعالى ـ بالخطاب، فلم يقل : عبستَ وتوليتَ ؛ رفقاً به وملاطفة ؛ لأنَّ مواجهة العتاب من رب الأرباب من أصعب الصعاب، خلافاً للزمخشري وابن عطية ومَن وافقهما. و " أن جاءه " : علة لـ " تولَّى "، أو " عبس "، على اختلاف المذهبين في التنازع، والتعرُّض لعنوان عماه إمّا لتمهيد عذره في الإقدام على قطع كلامه عليه السلام بالقوم،
٢٣٧
والإيذان باستحقاقه بالرفق والرأقة، وإمّا لزيادة الإنكار، كأنه تولَّى عنه لكونه أعمى. قاله أبو السعود.
﴿وما يُدْرِيك﴾ أي : أيّ شيء يجعلك دارياً بحال هذا الأعمى حتى تُعرض عنه ﴿لعله يَزَّكَّى﴾ ؛ لعل الأعمى يتطهّر بما سمع منك من دنس الجهل، وأصله : يتزكَّى، فأدغم. وكلمة الترجي مع تحقق الوقوع وارد على سنن الكبرياء، أو : على أنّ الترجّي بالنسبة إليه عليه السلام للتنبيه على أنَّ الإعراض عنه عند كونه مرجواً للتزكِّي مما لا ينبغي، فكيف إذا كان مقطوعاً بالتزكِّي، وفيه إشارة إلى أنَّ مَن تصدّى لتزكيتهم من الكفرة لا يرجى لهم التزكّي والتذكُّر أصلاً. وقوله تعالى :﴿أو يذَّكَّرُ﴾ : عطف على " يزّكى "، داخل في حكم الترجي، قوله :﴿فتَنفَعه الذِكرَى﴾ : عطف على " يذَّكَّر "، ومَن نصبه فجواب الترجي، أي : أو يتذكر فتنفعه موعظتك إن لم يبلغ درجة التزكي التام، أي : إنك لا تدري ما هو مترقَب منه مِن تزكٍّ أو تذكُّر، ولو دريت لَمَا فرط ذلك منك.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٣٧


الصفحة التالية
Icon