أمَّا مَن استغنى} أي : مَن كان غنياً بالمال، أو : استغنى عن الإيمان، أو عما عندك من العلوم والمعارف التي انطوى عليه القرآن ﴿فأنت له تَصَدّى﴾ ؛ تتصدى وتتعرض له بالإقبال عليه، والاهتمام بإرشاده واستصلاحه. وفيه مزيد تنفير له ﷺ عن مصاحبتهم، فإنّ الإقبال على المدبِر ليس من شأن الكرام، أهل الغنى بالله. ﴿وما عليك ألاَّ يزَّكَّى﴾ أي : وليس عليك بأس في ألاَّ يزَّكّى بالإسلام حتى تهتم بأمره، وتُعرض عمن أسلم وأقبل إليك، وقيل :" ما " استفهامية، أي : أيُّ شيء عليك في ألاّ يزكّى هذا الكافر.
﴿وأمّا مَن جاءك يسعى﴾ أي : حال كونه مسرعاً طالباً لِما عندك من أحكام الرشد، وخصال الخير، ﴿وهو يخشى﴾ الله تعالى أو الكفار، أي : أذاهم في إتيانك، أو : الكبوة، أي : السقطة، كعادة العميان، ﴿فأنت عنه تَلَهَّى﴾ ؛ تتشاغل، وأصله : تتلهى. رُوي : أنه ﷺ ما عبس بعدها في وجه فقير قط، ولا تصدَّى لغَني بعدُ.
﴿كلاَّ﴾ أي : لا تَعُدْ إلى مثلها. وحاصل العتاب : ترجيح الإقبال على مَن فيه القبول والأهلية للانتفاع، دون مَن ليس كذلك ممن فيه استغناء، وإن كان قصده عليه السلام صالحاً، ولكن نبَّهه اللّهُ ـ تعالى ـ على طريق الأولى في سلوك الدعوة إليه، وأنّ مظنة ذلك الفُقراء ؛ لتواضعهم، بخلاف الأغنياء، لتكبُّرهم وتعاظمهم. ولذلك لم يتعرض ﷺ لغَنِي بعدها، ولم يُعرض عن فقير، وكذلك ينبغي لفضلاء أمته من العلماء الدعاة إلى الله، وقد كان الفقراء في مجلس الثوري أُمراء. ثم قال تعالى :﴿إِنها تذكرةٌ﴾ ؛ موعظة يجب أن يُتعظ بها، ويُعمل بموجبها، وهو تعليل للردع عما ذكر ببيان رتبة القرآن العظيم الذي استغنى عنه مَن تصدّى له، ﴿فمَن شاء ذّكَرَه﴾ أي : فمَن شاء اللّهُ أن يذكره ذكره. أي : ألهمه الله الاتعاظ به، أو : مَن شاء حفظه واتعظ به، ومَن رغب عنها، كما فعله المستغني، فلا حاجة إلى الاهتمام بأمره.
٢٣٨