يقول الحق جلّ جلاله :﴿قُتِلَ الإِنسانُ﴾ أي : لُعن، والمراد : إمّا مَن استغنى عن القرآن الكريم الذي ذكرت نُعُوته الجليلة، الموجبة للإقبال عليه، والإيمان به، وإمّا الجنس باعتبار انتظامه له ولأمثاله من أفراده، وقيل : المراد : أُميّة أو : عُتبة بن ربيعة. ﴿ما أكْفَرَه﴾، ما أشد كفره! تعجبٌ من إفراطه في الكفران، وبيانٌ لاستحقاقه الدعاء عليه، وقيل :" ما " استفهامية، توبيخي، أي : أيُّ شيء حَمَلَه على الكفر ؟ ! ﴿من أي شيءٍ خَلَقهُ﴾ أي : من أيِّ شيءٍ حقيرٍ خلَقَه ؟ ثم بيّنه بقوله :﴿من نطفةٍ خَلَقَه﴾ أي : مِن نطفة مذرة ابتداء خلقه، ﴿فقدَّره﴾ ؛ فهيّأه لِما يصلح له، ويليق به من الأعضاء والأشكال، أو : فقدّره أطوراً إلى أن تَم خلقه.
﴿ثم السبيلَ يَسَّرهُ﴾ أي : يَسّر له سبيل الخروج من بطن أمه، بأن فتح له فم الرحم، وألهمه أن يتنكّس ليسهل خروجه. وتعريف " السبيل " باللام للإشعار بالعموم، أو : يَسْر له سبيل الخير أو الشر، على ماسبق له، أو يَسْر له سبيل النظر السديد، المؤدِّي إلى الإيمان، وهو منصوب بفعل يُفسره ما بعده.
﴿ثم أماته فأقْبَره﴾ أي : جعله ذا قبرٍ يُوارَى فيه تكرمةً، ولم يجعله مطروداً على وجه الأرض تأكله السباع والطير، كسائر الحيوان. يُقال : قبرتَ الميت : إذا دفنته، وأقبرته : أمرت بدفنه. وعدّ الإماتة من النِعم ؛ لأنها وصلة في الجملة إلى الحياة الأبدية والنعيم المقيم، ولأنها سبب وصول الحبيب إلى حبيبه. ﴿ثم إِذا شاء أنْشَرَهُ﴾ أي : إذا شاء نَشْرَه، على القاعدة المستمرة مِن حذف مفعول المشيئة، أي : ثم ينشره في الوقت الذي شاء، وهو يوم القيامة، وفي تعلُّق الإنشار بمشيئته ـ تعالى ـ إيذان بأنّ وقته غير متعين، قال ابن عرفة : تعليق المعاد بالمشيئة جائز، جارٍ على مذهب أهل السنة ؛ لأنهم يقولون : إنه جائز
٢٤٠
عقلاً، واجب شرعاً، وأمّا المعتزلة فيقولون بوجوبه، بناء على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين. هـ.